تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٧
زيد ضربت. وقال الزمخشري: ذلك الجزاء * (جزيناهم) * وهو تحريم الطيبات؛ انتهى. وظاهره أنه منتصب انتصاب المصدر، وزعم ابن مالك أن اسم الإشارة لا ينتصب مشارا به إلى المصدر إلا واتبع بالمصدر فتقول: قمت هذا القيام وقعدت ذلك العقود، ولا يجوز قمت هذا ولا قعدت ذلك، فعلى هذا لا يصح انتصاب ذلك على أنه إشارة إلى المصدر، والبغي هنا الظلم. وقال الحسن: الكفر. وقال أبو عبد الله الرازي: هو قتلهم الأنبياء بغير حق وأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل، ونظيره * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا) * وهذا يقتضي أن هذا التحريم كان عقوبة لهم على ذنوبهم واستعصائهم على الأنبياء. قال القاضي: نفس التحريم لا يكون عقوبة على جرم صدر منهم، لأن التكليف تعريض للثواب والتعريض للثواب إحسان. والجواب: أن المنع من الانتفاع يمكن لمن يرى استحقاق الثواب، ويمكن أن يكون للجرم المتقدم وكل واحد منهما غير مستبعد.
* (وإنا لصادقون) * في الإخبار عما * (حرمنا عليهم) *. وقال ابن عطية: إخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم: ما حرم الله علينا وإنما اقتدينا بإسرائيل فيما حرم على نفسه، ويتضمن إدحاض قولهم ورده عليهم. وقال التبريزي: في اتمام جزائهم في الآخرة الذي سبق الوعيد فيكون التحريم من الجزاء لمعجل لهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم وقال الزمخشري * (وإنا لصادقون) * * (وإنا لصادقون) * فيما أوعدنا به العصاة لا نخلفه كما لا نخلف ما وعدناه أهل الطاعة، فلما عصوا وبغوا ألحقنا بهم الوعيد وأحللنا بهم العقاب؛ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
* (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) * الظاهر عود الضمير على أقرب مذكور وهم اليهود وقاله مجاهد والسدي أي * (فإن كذبوك) * فيما أخبرت به أنه تعالى حرمه عليهم وقالوا: لم يحرمه الله وإنما حرمه إسرائيل قبل متعجبا من قولهم: ومعظما لافترائهم مع علمهم بما قلت: * (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) * حيث لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدة هذا الجرم كما تقول عند رؤية معصية عظيمة. ما أحلم االله وأنت تريد لإمهاله العاصي. وقيل: الضمير للمشركين الذين كان الكلام معهم في قوله:) * نبئوني) * وقوله: * (*) * نبئوني) * وقوله: * (*) * وقوله: * (أم كنتم شهداء) * أي * (فإن كذبوك) * في النبوة والرسالة وتبليغ أحكام الله. وقال الزمخشري: * (فإن كذبوك) * في ذلك وزعموا أن الله واسع المغفرة وأنه لا يؤاخذنا بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما * (فقل لهم * ربكم ذو رحمة واسعة) * لأهل طاعته * (ولا يرد بأسه) * مع سعة رحمته * (عن القوم المجرمين) * فلا تغتر برجاء رحمته عن خوف نقمته؛ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال و * (القوم المجرمين) * عام يندرج فيه مكذبو الرسل وغيرهم من لمجرمين، ويحتمل أن يكون من وقوع الظاهرموقع المضمر أي * (ولا يرد بأسه) * عنكم وجاء معمول * (قل) * الأول جملة اسمية لأنها أبلغ في الإخبار من الجملة الفعلية، فناسبت الأبلغية في الله تعالى بالرحمة الواسعة وجاءت الجملة الثانية فعلية ولم تأت اسمية فيكون التركيب وذو بأس لئلا يتعادل الإخبار عن الوصفين وباب الرحمة واسع فلا تعادل. وقال الماتريدي: * (فإن كذبوك) * فيما تدعوهم إليه من التصديق والتوحيد * (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) * إذا رجعتم عن التكذيب؛ انتهى. وقيل: * (ذو رحمة) * لا يهلك أحدا وقت المعصية ولكن يؤخر * (ولا يرد بأسه) * إذا نزل.
* (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ىاباؤنا ولا حرمنا من شىء) * هذا إخبار بمستقبل، وقد وقع وفيه إخبار بمغيب معجزة للرسول فكان كما أخبر به تعالى وهذا القول منهم ورد حين بطل احتجاجهم وثبت الرد عليهم فعدلوا إلى أمر حق وهو أنه لو أراد الله أن لا يقع من ذلك شيء، وأوردوا ذلك على سبيل الحوالة على المشيئة والمقادير مغالطة وحيدة عن الحق وإلحادا لا اعتقادا صحيحا وقالوا: ذلك اعتقادا صحيحا حين قارفوا تلك الأشياء استمساكا بأن ما شاء الله هو الكائن
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»