تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٢
السيئة في كونهما يسوءان، وظاهر من جاء العموم. وقيل: يختص بالأعراب الذين أسلموا كما ذكر في سبب النزول. وقيل: بمن آمن من الذين فرقوا دينهم. وقيل: بهذه الأمة وهي أدنى المضاعفة. وقيل: العشر على بعض الأعمال والسبعون على بعضها * (وهم لا يظلمون) * لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد في عقابهم.
* (قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم) * أمره تعالى بالإعلان بالشريعة ونبذ ما سواها ووصفها بأنها طريق مستقيم لا عوج فيها وهو إشارة إلى قوله: * (وأن هاذا صراطي مستقيما فاتبعوه) * ولما تقدم ذكر الفرق أمره أن يخبر أنه ليس من تلك الفرق بل هو على الصراط المستقيم وأسند الهداية إلى ربه ليدل على اختصاصه بعبادته إياه كأنه قيل: هداني معبودي لا معبودكم من الأصنام ومعنى * (هدانى) * خلق في الهداية. وقال بعض المعتزلة: دلني. قال الماتريدي: وهذا باطل إذ لا فائدة في تخصيصه لأن الناس كلهم كذلك.
* (دينا قيما) * بالحق والبرهان.
* (ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * أذكرهم أن هذا الدين الذي هو عليه هو ملة إبراهيم وهو النبي الذي يعظمه أهل الشرائع والديانات وتزعم كفار قريش أنهم على دينه، فرد تعالى عليهم بقوله: * (وما كان من المشركين) * وانتصب * (دينا) * على إضمار عرفني لدلالة هداني عليه أو بإضمار هداني أو بإضمار اتبعوا وألزموا، أو على أنه مصدر لهداني على المعنى كأنه قال: اهتداء أو على البدل من إلى صراط على الموضع لأنه يقال: هديت القوم الطريق. قال الله تعالى: * (ويهديك صراطا مستقيما) *. وقرأ الكوفيون وابن عامر قيما وتقدم توجيهه في أوائل سورة النساء. وقرأ باقي السبعة قيما كسيد وملة بدل من قوله: * (دينا) * و * (حنيفا) * تقدم إعرابه في قوله: * (بل ملة إبراهيم حنيفا) * في سورة البقرة. وقال ابن عطية: و * (حنيفا) * نصب على الحال من إبراهيم.
* (قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين) * الظاهر أن الصلاة هي التي فرضت عليه. وقيل: صلاة الليل. وقيل: صلاة العيد لمناسبة النسك. وقيل: الدعاء والتذلل والنسك يطلق على الصلاة أيضا وعلى العبادة وعلى الذبيحة، وأما في الآية فقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وابن قتيبة: هي الذبائح التي تذبح لله وجمع بينهما كما قال: فصل لربك وانحر ويؤيد ذلك أنها نازلة قد تقدم ذكرها، والجدال فيها في السورة. وقال الحسن: الدين والمذهب. وقيل: العبادة الخالصة ومعنى * (ومحياى ومماتى لله) * أنه لا يملكهما إلى الله أو حياتي لطاعته ومماتي رجوعي إلى جزائه أو ما آتيه في حياتي من العمل الصالح وما أموت عليه من الإيمان لله ثلاثة أقوال. وقال أبو عبد الله الرازي: معنى كونهما لله لخلق الله وهذا يدل على أن طاعة العبد مخلوقة لله انتهى. وقال ابن عطية: أمره تعالى أن يعلن أن مقصده في صلاته وطاعاته من ذبيحة وغيرها وتصرفه مدة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عز وجل وإرادة وجهه وطلبه رضاه، وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم) بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلزموا في جميع أعمالهم قصد وجهه عز وجل وله تصرفه في جميع ذلك كيف شاء. وقرأ الحسن وأبو حيوة * (ونسكى) * بإسكان السين وما روي عن نافع من سكون ياء المتكلم في * (* محياي) * هو جمع بين ساكنين أجرى الوصل فيه مجرى الوقف والأحسن في العربية الفتح. قال أبو علي: هي شاذة في القياس لأنها جمعت بين ساكنين وشاذة في الاستعمال ووجهها أنه قد سمع من العرب التقت حلقتا البطان ولفلان بيتا المال، وروى أبو خالد عن نافع * (ونسكى ومحياى) * بكسر الياء. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري ومحيي على لغة هذيل كقول أبي ذؤيب.
سبقوا هوي
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»