كما يقول: الواقع في معصية إذا بين له وجهها: هذا قدر الله لا مهرب ولا مفر من قدر الله أو قالوا ذلك وهو حق على سبيل الاحتجاج على تلك الأشياء، أي لو لم يرد الله ما نحن عليه لم يقع ولحال بيننا وبينه. وقال الزمخشري: يعنون بكفرهم وتمردهم أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه؛ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. وقال الماتريدي: يحتمل أن تكون المشيئة بمعنى الرضا أو بمعنى الأمر والدعاء لأنهم قالوا: إن الله أمرنا بذلك، ويحتمل أن قالوه استهزاء وسخرية انتهى. ولا تعلق للمعتزلة بذلك مع هذه الاحتمالات. قال ابن عطية: وتعلقت المعتزلة بهذه الآية فقالوا: إن الله قد ذم لهم هذه المقالة وإنما ذمها لأن كفرهم ليس بمشيئة الله بل هو خلق لهم قال: وليس الأمر على ما قالوا، وإنما ذم الله ظن المشركين إن ما شاء الله لا يقع عليه عقاب وأما أنه ذم قولهم: لولا المشيئة لم تكفر فلا؛ انتهى. و * (الذين أشركوا) * مشركو قريش أو مشركو العرب قولان، * (ولا ىاباؤنا) * معطوف على الضمير المرفوع وأغني الفصل بلا بين حرف العطف والمعطوف على الفصل بين المتعاطفين بضمير منفصل يلي الضمير المتصل أو بغيره. وعلى هذا مذهب البصريين لا يجيزون ذلك بغير فصل إلا في الشعر ومذهب الكوفيين جواز ذلك وهو عندهم فصيح في الكلام. وجاء في سورة النحل * (وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شىء نحن ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه) * فقال: من دونه مرتين وقال: نحن فأكد الضمير لأن لفظ العبادة يصح أن ينسب إلى إفراد الله بها وهذا ليس بمستنكر، بل المستنكر عبادة شيء غير الله أو شيء مع الله فناسب هنا ذكر من دونه مع العبادة، وأما لفظ * (ما أشركنا) * فالإشراك يدل على إثبات شريك فلا يتركب مع هذا الفعل لفظ من دونه لو كان التركيب في غير القرآن * (ما أشركنا) * من دونه لم يصح معناه، وأما من دونه الثانية فالإشراك يدل على تحريم أشياء وتحليل أشياء، فلم يحتج إلى لفظ من دونه وأما لفظ العبادة فلا يدل على تحريم شيء كما دل عليه لفظ أشرك فقيد بقوله: من دونه ولما حذف من دونه هنا ناسب أن يحذف نحن ليطرد التركيب في التخفيف.
* (كذالك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) * أي مثل ذلك التكذيب المشار إليه في قوله: * (فإن كذبوك) * فقد كذبت الأمم السالفة، فمتعلق التكذيب هو غير قولهم: * (فلو شاء * الله ما أشركنا) * الآية أي بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم وحتى ذاقوا بأسنا غاية لامتداد التكذيب إلى وقت العذاب، لأنه إذا حل العذاب لم يبق تكذيب وجعلت المعتزلة التكذيب راجعا إلى قوله * (ولو شاء الله) * الجملة التي هي محكية بالقول وقالوا: كذبهم الله في قولهم ويؤيده قراءة بعض الشواذ كذب. وقال الزمخشري: أي جاؤوا بالتكذيب المطلق لأن الله عز وجل ركب في العقول وأنزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها والرسل أخبرت بذلك، فمن علق وجوه القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره؛ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
* (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) * استفهام على معنى التهكم بهم وهو إنكار، أي ليس عدكم من علم تحتجون به فتظهرونه لنا ما تتبعون في دعاواكم إلا الظن الكاذب الفاسد، وما أنتم إلا تكذبون أو تقدرون وتحزرون. وقرأ النخعي وابن وثاب: إن يتبعون بالياء. قال ابن عطية: وهذه قراءة شاذة يضعفها قوله * (وإن أنتم) * لأنه يكون من باب الالتفات.
* (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * بين * (قل) * والفاء محذوف قدره الزمخشري فإن كان الأمر كما زعمتم إن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة