تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٣
محمد بن حزم أنه عائد على * (خنزير) * فإنه أقرب مذكور، وإذا احتمل الضمير العود على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح وعورض بأن المحدث عنه إنما هو اللحم، وجاء ذكر * (الخنزير) * على سبيل الإضافة إليه لا أنه هو المحدث عنه المعطوف، ويمكن أن يقال: ذكر اللحم تنبيها على أنه أعظم ما ينتفع به من الخنزير وإن كان سائره مشاركا له في التحريم بالتنصيص على العلة من كونه رجسا أو لإطلاق الأكثر على كله أو الأصل على التابع لأن الشحم وغيره تابع للحم. واختلفوا في هذه الآية أهي محكمة؟ وهو قول الشعبي وابن جبير فعلى هذا لا شيء محرم من الحيوان إلا فيها وليس هذا مذهب الجمهور. وقيل: هي منسوخة بآية المائدة، وينبغي أن يفهم هذا النسخ بأنه نسخ للحصر فقط. وقيل: جميع ما حرم داخل في الاستثناء سواء كان بنص قرآن أو حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم) بالاشتراك في العلة التي هي الرجسية والذي نقوله: إن الآية مكية وجاءت عقيب قوله: * (ثمانية أزواج) * وكان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي من هذه الثمانية، فالآية محكمة وأخبر فيها أنه لم يجد فيما أوحي إليه إذ ذاك من القرآن سوى ما ذكر ولذلك أتت صلة * (ما) * جملة مصدرة بالفعل الماضي فجميع ما حرم بالمدينة لم يكن إذ ذاك سبق منه وحي فيه بمكة فلا تعارض بين ما حرم بالمدينة وبين ما أخبر أنه أوحي إليه بمكة تحريمه، وذكر * (الخنزير) * وإن لم يكن من ثمانية الأزواج لأن من الناس من كان يأكله إذ ذاك ولأنه أشبه شيء بثمانية الأزواج في كونه ليس سبعا مفترسا يأكل اللحوم ويتعذى بها، وإنما هو من نمط الثمانية في كونه يعيش بالنبات ويرعى كما ترعى الثمانية. وذكر المفسرون هنا أشياء مما اختلف أهل العلم فيه ونلخص من ذلك شيئا، فنقول: أما الحمر الأهلية: مذهب الشعبي: وابن جبير إلى أنه يجوز أكلها وتحريم رسول الله لها إنما كان لعلة واما لحوم الخيل فاختلف فيها السلف وأباحها الشافعي وابن حنبل وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعن أبي حنيفة الكراهة. فقيل: كراهة تنزيه. وقيل: كراهة تحريم وهو قول مالك والأوزاعي والحكم بن عيينة وأبي عبيد وأبي بكر الأصم وقال به من التابعين مجاهد ومن الصحابة ابن عباس، وروى عنه خلافه وقد صنف في حكم لحوم الخيل جزءا أقاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي رحمه الله قرأناه عليه وأجمعوا على تحريم البغال، وأما الحمار الوحشي إذا تأنس فذهب أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح والشافعي إلى جواز أكله وروى ابن القاسم عن مالك أنه إذا دجن وصار يعمل عليه كما يعمل على الأهلي أنه لا يؤكل. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: لا يحل أكل ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير. وقال مالك: لا يؤكل سباع الوحش ولا البر وحشيا كان أو أهليا ولا الثعلب ولا الضبع ولا بأس بأكل سباع الطير الرخم والعقاب والنسور وغيرها ما أكل الجيفة وما لم يأكل. وقال الأوزاعي: الطير كله حلال إلا أنهم يكرهون الرخم. وقال الشافعي: ما عدا على الناس من ذي الناب كالأسد والذئب والنمر وعلى الطيور من ذي المخلب كالنسر والبازي لا يؤكل، ويؤكل الثعلب والضبع وكره أبو حنيفة الغراب الأبقع لا الغراب الزرعي والخلاف في الحدأة كالخلاف في العقاب والنسر وكره أبو حنيفة الضب. وقال مالك والشافعي: لا بأس به والجمهور على أنه لا يؤكل الهر الإنسي وعن مالك جواز أكله إنسيا كان أو وحشيا وعن بعض السلف جواز أكل إنسية. وقال ابن أبي ليلى: لا بأس بأكل الحية إذا ذكيت. وقال الليث: لا بأس بأكل القنفذ وفراخ النحل ودود الجبن ودود التمر ونحوه وكذا قال ابن القاسم عن مالك في القنفذ. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تؤكل الفأرة. وقال أبو حنيفة: لا يؤكل اليربوع. وقال الشافعي: يؤكل وعن مالك في الفأر التحريم والكراهة والإباحة، وذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إلى كراهة أكل الجلالة. وقال مالك والليث: لا بأس بأكلها. وقال صاحب التحرير والتحبير: وأما المخدرات كالبنج والسيكران واللفاح وورق القنب المسمى بالحشيشة فلم
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»