تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٩
مختلفة الشكل جدا كالقمح والشعير والذرة والقطينة والسلت والعدس والجلبان والأرز وغير ذلك، بخلاف النخل فإن الثمر لا يختلف شكله إلا بالصغر والكبر، وتقدم الكلام على قوله: * (والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه) * فأغني عن إعادته.
* (كلوا من ثمره إذا أثمر) * لما كان مجيء تلك الآية في معرض الاستدلال بها على الصانع وقدرته والشحر وإعادة الأرواح إلى الأجساد بعد العدم وإبراز الجسد وتكوينه من العظم الرميم وهو عجب الذنب، قال: انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إشارة إلى الإيجاد أولا وإلى غايته وهنا لما كان معرض الغاية الامتنان وإظهار الإحسان بما خلق لنا قال: * (كلوا من ثمره) * فحصل بمجموعهما الحياة الأبدية السرمدية والحياة الدنيوية السريعة الانقضاء، وتقدم النظر وهو الفكر على الأكل لهذا السبب وهذا أمر بإباحة الأكل ويستدل به على أن الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق وقيده بقوله: * (إذا أثمر) * وإن كان من المعلوم إنه إذا لم يثمر فلا أكل تنبيها على أنه لا ينتظر به محل إدراكه واستوائه، بل متى أمكن الأكل منه فعل.
* (وهو الذى أنشأ جنات) * والذي يظهر عود الضمير على ما عاد عليه من ثمره وهو جميع ما تقدم ذكره مما يمكن أن يؤكل إذا أثمر. وقيل: يعود على * (النخل) * لأنه ليس في الآية ما يجب أن يؤتى حقه عند جذاذه إلا النخل. وقيل: يعود على * (والزيتون والرمان) * لأنهما أقرب مذكور. وأفرد الضمير للوجوه التي ذكرناها في قوله * (مختلفا أكله) * * (وأتوا) * أمر على الوجوب وتقدم الأمر بالأكل على الأمر بالصدقة، لأن تقديم منفعة الإنسان بما يملكه في خاصة نفسه مترجحة على منفعة غيره كما قال تعالى: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * وأحسن كما أحسن الله إليك وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، إنما الصدقة عن ظهر غنى. والحق هنا محمل واختلف فيه أهو الزكاة أم غيرها؟ فقال ابن عباس وأنس بن مالك والحسن وطاوس وجابر بن زيد وابن المسيب وقتادة ومحمد بن الحنفية وابن طاوس والضحاك وزيد بن أسم وابنه ومالك بن أنس: هو الزكاة واعترض هذا القول بأن السورة مكية وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة. وحكى الزجاج: أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة. وقال محمد بن علي بن الحسين وهو الباقر وعطاء وحماد ومجاهد وإبراهيم وابن جبير ومحمد بن كعب والربيع بن أنس ويزيد بن الأصم والحكم: هو حق غير الزكاة. وقال مجاهد: إذا حضر المساكين فاطرح لهم عند الجذاذ وعند التكديس وعند الدرس وعند التصفية، وعنه أيضا كانوا يعلقون العذق عند الصرام فيأكل منه من مس. وعن إبراهيم هو الضغث يطرحه للمساكين ولفظ ما يسقط منك من السنبل لا يمنعهم منه. وروي عن ابن عباس وابن الحنفية وإبراهيم والحسن وعطية العوفي والسدي: أنها منسوخة نسخها العشر ونصف العشر. قال سفيان: قلت للسدي نسخها عن من قال عن العلماء. وقال أبو جعفر النحاس ما ملخصه: هل أريد بها الزكاة أو نسخت بالزكاة المفروضة أو بالعشر ونصف العشر أو هي محكمة يراد بها غير الزكاة أو ذلك على الندب؟ خمسة أقوال: وإذا كان معنيا به الزكاة فالظاهر إخراجه من كل ما سبق ذكره، فيعم جميع ما أخرجته الأرض وبه قال أبو حنيفة وزفر إلا الحطب والقصب والحشيش. وقال أبو يوسف ومحمد : لا شيء فيما أخرجته الأرض إلا ما كان له ثمرة باقية. وقال مالك: الزكاة في الثمار والحبوب فمن الثمار العنب والزيتون ومن الحب القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والحمص والعدس واللوبيا والجلبان والأرز وما أشبه ذلك إذا كان خمسة أوسق. وقال الشافعي وأبو ثور: يجب في يابس مقتات مدخر لا في زيتون لأنه إدام. وقال الثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المبارك ويحيى بن آدم: لا يجب إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وعن أحمد أقوال: أظهرها: كمذهب أبي حنيفة إذا كان يوثق فأوجبها في اللوز لأنه مكيل ولم يوجبها في الجوز لأنه معدود. وروي عن جماعة من السلف منهم عمرو بن دينار لا صدقة في الخضر. وعن ابن عباس: كان يأخذ من دساتيج الكراث العشر بالبصرة. وعن إبراهيم في كل ما أخرجت الأرض حتى في كل عشر دساتيج من بقل واحد. وقال
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»