تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٢
ما يتملكه ويقتنيه الفقير والغني كما قال الشاعر:
ألا إن لا تكن إبل فمعزى وقدم الضأن على المعز لغلاء ثمنه وطيب لحمه وعظم الانتفاع بصوفه.
* (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) * أي * (إن كنتم صادقين) * في نسبة ذلك التحريم إلى الله، فأخبروني عن الله بعلم لا بافتراء ولا بتخرص وأنتم لا علم لكم بذلك إذ لم يأتكم بذلك وحي من الله تعالى، فلا يمكن منكم تنبئة تذلك وفصل بهذه الجملة المعترضة بين المتعاطفين على سبيل التقريع لهم والتوبيخ حيث لم يستندوا في تحريمهم إلا إلى الكذب البحت والافتراء.
* (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل * ءآلذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين) * انتقل من توبيخهم في نفي علمهم بذلك إلى توبيخهم في نفي شهادتهم ذلك وقت توصية الله إياهم بذلك، لأن مدرك الأشياء المعقول والمحسوس فإذا انتفيا فكيف يحكم بتحليل أو بتحريم؟ وكيفية انتفاء الشهادة منهم واضحة وكيفية انتفاء العلم بالعقل إن ذلك مستند إلى الوحي وكانوا لا يصدقون بالرسل، ومع انتفاء هذين كانوا يقولون: إن الله حرم كذا افتراء عليه. قال الزمخشري: فتهكم بهم في قوله: * (أم كنتم شهداء) * على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل؛ انتهى. وقدم الإبل على البقر لأنها أغلى ثمنا وأغنى نفعا في الرحلة، وحمل الأثقال عليها وأصبر على الجوع والعطش وأطوع وأكثر انقيادا في الإناخة والإثارة.
* (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم) * أي لا أحد * (أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه الله تعالى، فلم يقتصر على افتراء الكذب في حق نفسه وضلالها حتى قصد بذلك ضلال غيره فسن هذه السنة الشنعاء وغايته بها إضلال الناس فعليه وزرها ووزر من عمل بها.
* (إن الله لا يهدى القوم الظالمين) * نفي هداية من وجد منه الظلم وكان من فيه الأظلمية أولى بأن لا يهديه وهذا عموم في الظاهر، وقد تبين تخصيصه من ما يقتضيه الشرع.
* (قل لا أجد * فيما * أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو) * لما ذكر أنهم حرموا ما حرموا افتراء على الله، أمره تعالى أن يخبرهم بأن مدرك التحريم إنما هو بالوحي من الله تعالى وبشرعه لا بما تهوي الأنفس وما تختلقه على الله تعالى، وجاء الترتيب هنا كالترتيب الذي في البقرة والمائدة وجاء هنا هذه المحرمات منكرة والدم موصوف بقوله: * (مسفوحا) * والفسق موصوفا بقوله: * (أهل لغير الله به) * وفي تينك السورتين معرفا لأن هذه السورة مكية فعلق بالتنكير، وتانك السورتان مدنيتان فجاءت تلك الأسماء معارف بالعهد حوالة على ما سبق تنزيله في هذه السورة. وروي عن ابن عامر * (فيما * أوحى) * بفتح الهمزة والحاء جعله فعلا ماضيا مبنيا للفاعل و * (محرما) * صفة لمحذوف تقديره مطعوما ودل عليه قوله * (على طاعم يطعمه) * ويطعمه صفة لطاعم. وقرأ الباقر * (* بطعمه) * بتشديد الطاء وكسر العين والأصل يطتعمه أبدلت تاؤه طاء وأدغمت فيها فاء الكلمة. وقرأت عائشة وأصحاب عبد الله ومحمد بن الحنفية تطعمه بفعل ماض وإلا أن يكون استثناء منقطع لأنه كون وما قبله عين، ويجوز أن يكون نصبه بدلا على لغة تميم ونصبا على الاستثناء على لغة الحجاز. وقرأ الابنان وحمزة إلا أن تكون بالتاء وابن كثير وحمزة * (يكون ميتة) * بالنصب واسم * (يكون) * مضمر يعود على قوله: * (محرما) * وأنث لتأنيث الخبر. وقرأ ابن عامر * (ميتة) * بالرفع جعل كان تامة. وقرأ الباقون بالياء ونصب * (ميتة) * واسم كان ضمير مذكر يعود على * (محرما) * أي * (إلا أن يكون) * المحرم * (ميتة) * وعلى قراءة ابن عامر وهي قراءة أبي جعفر فيما ذكر مكي يكون قوله: * (أو * وما) * معطوفا على موضع * (أن يكون) * وعلى قراءة غيره، يكون معطوفا على قوله: * (ميتة) * ومعنى * (مسفوحا) * مصبوبا سائلا كالدم في العروق لا كالطحال والككبد، وقد رخص في دم العروق بعد الذبح. وقيل لأبي مجلز: القدر تعلوها الحمرة من الدم. فقال: إنما حرم الله تعالى المسفوح وقالت: نحوه عائشة وعليه إجماع العلماء. وقيل: الدم حرام لأنه إذا زايل فقد سفح. والظاهر أن الضمير في * (فإنه) * عائد على * (لحم خنزير) * وزعم أبو
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»