تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٣١
لأنفسهم، والظاهر أن * (ساء) * هنا مجراة مجرى بئس في الذم كقوله: * (قل بئسما يأمركم) * والخلاف الجاري في * (بئسما) * وإعراب ما جاريا هنا وتقدم ذلك مستوفى في قوله: * (بئسما اشتروا به أنفسهم) * في البقرة وعلى أن حكمهما حكم * (بئسما) * فسرها الماتريدي فقال: بئس الحكم حكمهم وأعربها الحوفي وجعل ما موصولة بمعنى الذي قال والتقدير ساء الذي يحكمون حكمهم، فيكون حكمهم رفعا بالابتداء وما قبله الخبر وحذف لدلالة يحكمون عليه. ويجوز أن يكون ما تمييزا على مذهب من يجيز ذلك في * (بئسما) * فيكون في موضع نصب التقدير * (ساء) * حكما حكمهم ولا يكون * (يحكمون) * صفة لما لأن الغرض الإبهام ولكن في الكلام حذف بدل ما عليه والتقدير سا ما * (ما يحكمون) *. وقال ابن عطية: و * (ما) * في موضع رفع كأنه قال: ساء الذي يحكمون ولا يتجه عندي أن تجري هنا * (ساء) * مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النجاة، وإنما اتجه أن يجري مجرى بئس في قوله: * (ساء مثلا القوم) * لأن المفسر ظاهر في الكلام؛ انتهى. وهذا قول من شدا يسير من العربية ولم يرسخ قدمه فيها بل إذا جرى ساء مجرى نعم وبئس كان حكمها حكمها سواء لا يختلف في شيء البتة من فاعل مضمر أو ظاهر وتمييز، ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح والذم والتمييز فيها لدلالة الكلام عليه فقوله: لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق النحاة إلى آخره كلام ساقط ودعواه الاتفاق مع أن الاتفاق على خلاف ما ذكر عجب عجاب.
* (وكذالك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) * أي ومثل تزيين قسمة القربان بين الله وآلهتهم وجعلهم آلهتهم شركاء لله في ذلك. قال الزمخشري: أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين وقال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون * (وكذالك) * مستأنفا غير مشار به إلى ما قبله فيكون المعنى وهكذا زين؛ انتهى. و * (كثير) * يراد به من كان من مشركي العرب. قال مجاهد: * (شركاؤهم) * شياطينهم أمروهم أن يدفنوا بناتهم أحياء خشية العيلة. وقال الكلبي: * (شركاؤهم) * سدنتهم وخزنتهم التي لآلهتهم كانوا يزينون لهم دفن البنات أحياء. وقيل: رؤساؤهم كانوا يقتلون الإناث تكبرا والذكور خوف الفقر. وقال الزمخشري: * (قتل أولادهم) * بالوأد أو بنحرهم للآلهة، وكان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد لي كذا غلاما لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب. وقرأ الجمهور: * (زين) * مبنيا للفاعل ونصب * (قتل) * مضافا إلى * (أولادهم) * ورفع * (شركاؤهم) * فاعلا بزين وإعراب هذه القراءة واضح، وقرأت فرقة منهم السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر * (زين) * مبنيا للمفعول * (قتل) * مرفوعا مضافا إلى * (أولادهم شركاؤهم) * مرفوعا على إضمار فعل أي زينه شركاؤهم هكذا خرجه سيبويه، أو فاعلا بالمصدر أي * (قتل أولادهم شركاؤهم) * كما تقول: حبب لي ركوب الفرس زيد هكذا خرجه قطرب، فعلى توجيه سيبويه الشركاء مزينون لا قاتلون كما ذلك في القراءة الأولى، وعلى توجيه قطرب الشركاء قاتلون. ومجازه أنهم لما كانوا مزينين القتل جعلوا هم القاتلين وإن لم يكونوا مباشري القتل، وقرأت فرقة كذلك إلا أنهم خفضوا شركائهم وعلى هذا الشركاء هم الموعودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث، أو لأنهم قسيموا أنفسهم وأبعاض منها. وقرأ ابن عامر: * (كذالك) * إلا أنه نصب * (أولادهم) * وجر شركائهم فصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول وهي مسألة مختلف في جوازها، فجمهور البصريين يمنعونها متقدموهم ومتأخر وهم ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر، وبعض النحويين أجازها وهو الصحيح لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض ابن عامر الآخذ القرآن عن عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب، ولوجودها أيضا في لسان العرب في عذة أبيات قد ذكرناها في كتاب
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»