تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٩
أثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه. وقال ابن عباس: على ناحيتكم والمعنى ما تنحون أي ما تقصدون من صالح وطالح. وقال ابن زيد: على حالكم. وقال يمان: على مذاهبكم. وقال إسماعيل الضرير: على دينكم في منازلكم لهلاكي خطابا لكفار مكة * (إنى عامل) * لهلاككم؛ انتهى. وهي ألفاظ متقاربة وهذا الأمر أمر تهديد ووعيد كقوله: * (اعملوا ما شئتم) * وهي التخلية والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه، ومعنى * (إنى عامل) * أي على مكانتي التي أنا عليها. قال الزمخشر: اثبتوا على كفركم وعداوتكم في فإني ثابت على الاسلام وعلى مصابرتكم؛ انتهى.
والظاهر أن * (من) * مفعول * (* يتعلمون) * وأجازوا أن يكون مبتدأ اسم استفهام وخبره * (يوم تكون) * والفعل معلق والجملة في موضع المفعول إن كان يعلمون معدى إلى واحد أو في موضع المفعولين إن كان يتعدى إلى مفعولين، و * (عاقبة الدار) * مآلها وما تنتهي إليه والدار يظهر منه أنها دار الآخرة. قال ابن عطية: ويحتمل أن يراد مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب. وقال الزمخشري: العاقبة الحسنى التي خلق الله هذه الدار لها وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف في المقال وأدب حسن مع تضمن شدة الوعيد والوثوق بأن المنذر محق وأن المنذر مبطل. وقيل: معنى * (من تكون له عاقبة الدار) * أي من له النصرة في دار الإسلام ومن له الدار الآخرة أي الجنة وفي قوله: * (فسوف تعلمون) * من التهديد والوعيد ما لا يخفى كقوله: * (سنفرغ لكم * ءاية * الثقلان) * * (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم) * وقال الشاعر:
* إذا ما التقينا والتقى الرسل بيننا * فسوف ترى يا عمر وما الله صانع * وقال آخر:
* ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأي غريم للتقاضي غريمها * * (إنه لا يفلح الظالمون) * أي لا يفوزون قاله الضحاك. وقال عكرمة: لا يبقون. وقال عطاء: لا يسعد من كفر نعمتي. وقيل: لا يأمنون ولا ينجون من العذاب وفيه إشعار بأنهم هم الظالمون الذين لا يفلحون، وفي قوله: * (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) * ترديد بينه عليه السلام وبينهم، ومعلوم أن هذا التهديد والوعيد مختص بهم وأن عاقبة الدار الحسنى هي له عليه السلام ولكنه أجرى مجرى قوله: فشركما لخيركما الفداء. وقوله:
* فأيي ما وأيك كان شرا * فسيق إلى المقادة في هوان * وقد علم ما هو شر وما هو خير ولكنه أبرز في صورة الترديد إظهارا لصورة الإنصاف ورميا بالكلام على جهة الاشتراك اتكالا على فهم المعنى. وقرأ حمزة والكسائي من يكون بالياء على التذكير وكذا في القصص.
* (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هاذا لله بزعمهم وهاذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل) * روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزروعها وأثمارها وأنعامها جزءا تسميه لله وجزءا تسميه لأصنامها وكانت عادتها تبالغ وتجتهد في إخراج نصيب الأصنام أكثر
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»