تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢١٠
للإنس من شياطين؟ قال: (نعم وهم شر من شياطين الجن).
وقال مالك بن دينار شيطان الإنس علي أشد من شيطان الجن لأني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس بجيئني ويجرني إلى المعاصي عيانا.
وقال عطاء: أما أعداء النبي صلى الله عليه وسلم) من شياطين الإنس: فالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل بن هشام والعاصي بن عمرو، وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود بن عبد الأسد وعتبة وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن أبي معيط والوليد بن عتبة وأبي وأمية ابنا خلف، ونبيه ومنبه ابن الحجاج، وعتبة بن عبد العزى، ومعتب بن عبد العزى. وفي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن الله عافاني وأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير).
وقيل: الإضافة ليست من باب إضافة الصفة للموصوف بل هي من باب غلام زيد أي شياطين الإنس والجن، أي متمردين مغوين لهم. وعلى هذا فسره عكرمة والضحاك والسدي والكلبي قالوا: ليس من الإنس شياطين والمعنى شياطين الإنس التي مع الإنس، وشياطين الجن التي مع الجن، قسم إبليس جنده فريقا إلى الإنس وفريقا إلى الجن، يتلاقون فيأمر بعض بعضا أن يضل صاحبه بما أضل هو به صاحبه، ورجحت هذه الإضافة الإضافة المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، ورجحت الإضافة السابقة بأن المقصود التسلي والائتسا بمن سبق من الأنبياء، إذ كان في أممهم من يعاديهم كما في أمة محمد من كان يعاديه، وهم شياطين الإنس والظاهر في جعلنا أنه تعالى هو مصيرهم أعداء للأنبياء والعداوة للأنبياء معصية وكفر، فاقتضى أنه خالق ذلك وتأول المعتزلة هذا الظاهر.
فقال الزمخشري وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم، لم يمنعهم من العداوة انتهى.
وهذا قول الكعبي قال: خلي بينه وبينه.
وقال الجبائي: الجعل هنا الحكم والبيان يقال كفره حكم بكفره وعدله أخبر عن عدالته. ولما بين للرسول كونهم أعداء لهم قال جعلهم أعداء لهم.
وقال أبو بكر الأصم لما أرسله الله إلى العالمين وخصه بالمعجزات حسدوه وصار الجسد مبينا للعداوة القوية، فلهذا التأويل قال جعلهم له أعداء كما قال الشاعر:
فأنت صيرتهم لي حسدا وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء، وانتصب غرورا على أنه مفعول له وجوزوا أن يكون مصدرا ليوحي لأنه بمعنى يغر بعضهم بعضا أو مصدرا في موضع الحال أي غارين.
* (ولو شاء ربك ما فعلوه) * أي ما فعلوا العداوة أو الوحي أو الزخرف، أو القول أو الغرور أوجه ذكروها.
* (فذرهم وما يفترون) * أي اتركهم وما يفترون من تكذيبك ويتضمن الوعيد والتهديد.
قال ابن عباس يريد ما زين لهم إبليس وما غرهم به انتهى. وظاهر الأمر الموادعة وهي منسوخة بآيات القتال.
وقال قتادة كل ذر في كتاب الله فهو منسوخ بالقتال وما بمعنى الذي أو موصوفة أو مصدرية.
* (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) * أي ولتميل إليه الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه، وليرضوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام. واللام لام كي وهي معطوفة على قوله غرورا لما كان معناه للغرور، فهي متعلقة
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»