يتقدر أول خلق الله لأن أول خلق يستدي خلقا ثانيا ولا يخلق ثانيا إنما ذلك إعادة لا خلق.
* (وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) * أي ما تفضلنا به عليكم في الدنيا لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم وأشار بقوله: * (وراء ظهوركم) * إلى الدنيا لأنهم يتركون ما خولوه موجودا.
* (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) * وقفهم على الخطأ في عبادتهم الأصنام وتعظيمها وقال مقاتل: كانوا يعتقدون شفاعة الملائكة ويقولون: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) *، و * (فيكم) * متعلق بشركاء والمعنى في استعبادكم لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوا لله شركاء فيهم وفي استعبادهم، وقيل: جعلوهم شركاء لله باعتبار أنهم يشفعون فيهم عنده فهم شركاء بهذا الاعتبار ويمكن أن يكون المعنى شركاء لله في تخليصكم من العذاب أن عبادتهم تنفعكم كما تنفعكم عبادته، وقيل: فيكم بمعنى عندكم، وقال ابن قتيبة إنهم لي في خلقكم شركاء، وقيل: متحملون عنكم نصيبا من العذاب.
* (لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) * قرأ جمهور السبعة * (بينكم) * بالرفع على أنه اتسع في الظرف وأسند الفعل إليه فصار اسما كما استعملوه اسما في قوله: * (ومن بيننا وبينك حجاب) * وكما حكى سيبويه هو أحمر بين العينين ورجحه الفارسي أو على أنه أريد بالبين الوصل أي لقد تقطع وصلكم قاله أبو الفتح والزهراوي والمهدوي وقطع فيه ابن عطية وزعم أنه لم يسمع من العرب البين بمعنى الوصل وإنما انتزع ذلك من هذه الآية أو على أنه أريد بالبين الافتراق وذلك مجاز عن الأمر البعيد، والمعنى: لقد تقطعت المسافة بينكم لطولها فعبر عن ذلك بالبين، وقرأ نافع والكسائي وحفص * (بينكم) * بفتح النون وخرجه الأخفش على أنه فاعل ولكنه مبني على الفتح حملا على أكثر أحوال هذا الظرف وقد يقال لإضافته إلى مبني كقوله: * (يفعل ذالك) * وخرجه غيره على أن منصوب على الظرف وفاعل تقطع التقطع، قال الزمخشري: وقع التقطع بينكم كما تقول: جمع بين الشيئين تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل انتهى. وظاهره ليس بجيد وتحريره أنه أسند الفعل إلى ضمير مصدره فأضمره فيه لأنه إن أسنده إلى صريح المصدر، فهو محذوف فلا يجوز حذف الفاعل وهو مع هذا التقدير فليس بصحيح لأن شرط الإسناد مفقود فيه وهو تغاير الحكم والمحكوم عليه، ولذلك لا يجوز قام ولا جلس وأنت تريد قام هو أي القيام، وقيل: الفاعل مضمر يعود على الاتصال الدال عليه قوله: * (شركاء) * ولا يقدر الفاعل صريح المصدر كما قاله ابن عطية قال: ويكون الفعل مستندا إلى شيء محذوف تقديره: لقد تقطع الاتصال والارتباط بينكم أو نحو هذا وهذا وجه واضح وعليه فسره الناس مجاهد والسدي وغيرهما انتهى، وقوله إلى شيء محذوف ليس بصحيح لأن الفاعل لا يحذف، وأجاز أبو البقاء أن يكون بينكم صفة لفاعل محذوف أي لقد تقطع شيء بينكم أو وصل وليس بصحيح أيضا لأن الفاعل لا يحذف والذي يظهر لي أن المسألة من باب الإعمال تسلط على * (ما كنتم تزعمون) * تقطع وضل فأعمل الثاني وهو ضل وأضمر في تقطع ضمير ما هم الأصنام فالمعنى * (لقد تقطع بينكم ما كنتم تزعمون) * وضلوا عنكم كما قال تعالى: * (وتقطعت بهم الاسباب) * أي لم يبق اتصال بينكم وبين * (ما كنتم تزعمون) * أنهم شركاء فعبدتموهم وهذا إعراب سهل لم يتنبه له أحد، وقرأ عبد الله ومجاهد والأعمش * (ما * بينكم) * والمعنى تلف وذهب ما * (بينكم) * وبين * (ما كنتم تزعمون) * ومفعولا * (تزعمون) * محذوفان التقدير تزعمونهم شفعاء حذفا للدلالة عليهما كما قال الشاعر: