تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٨٠
الشرائع، فإنها مختلفة فلا يمكن أن يؤمر بالاقتداء بالمختلفة وهي هدى ما لم تنسخ فإذا نسخت لم تبق هدى بخلاف أصول الدين فإنها كلها هدى أبدا. وقال تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) *. وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون الإشارة بأولئك إلى * (* وقوما) * وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم على بعضها انتهى، ويعني أنه إذا فسر القوم بالأنبياء المذكورين أو بالملائكة فيمكن أن تكون الإشارة إلى قوم وإن فسروا بغير ذلك فلا يصح، وقيل: الاقتداء في الصبر كما صبر من قبله، وقيل: يحمل على كل هداهم إلا ما خصه الدليل، وقيل: في الأخلاق الحميدة من الصبر على الأذى والعفو، وقال: في ري الظمآن أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر بتوبة آدم وشكر نوح ووفاء إبراهيم وصدق وعد إسماعيل وحلم إسحاق وحسن ظن يعقوب؟ واحتمال يوسف وصبر أيوب وإثابة داود وتواضع سليمان وإخلاص موسى وعبادة زكريا وعصمة يحيى وزهد عيسى، وهذه المكارم التي في جميع الأنبياء اجتمعت في الرسول صلى الله عليه وسلم) وعليهم أجمعين ولذلك وصفه تعالى بقوله: * (ممنون وإنك لعلى خلق عظيم) *. وقال الزمخشري: * (فبهداهم اقتده) * فاختص هداهم بالاقتداء ولا يقتدى إلا بهم، وهذا بمعنى تقديم المفعول وهذا على طريقته في أن تقديم المفعول يوجب الاختصاص وقد رددنا عليه ذلك في الكلام على * (إياك نعبد) *. وقرأ الحرميان وأهل حرميهما وأبو عمرو اقتده بالهاء ساكنة وصلا ووقفا وهي هاء السكت أجر وهاء وصلا مجراها وقفا، وقرأ الأخوان بحذفها وصلا وإثباتها وقفا وهذا هو القياس، وقرأ هشام اقتده باختلاس الكسرة في الهاء وصلا وسكونها وقفا، وقرأ ابن ذكوان بكسرها ووصلها بياء وصلا وسكونها وقفا ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليظ ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه وتأويلها على أنهاها، السكت ضعيف.
* (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) * أي على الدعاء إلى القرآن وهو الهدى والصراط المستقيم. * (أجرا) * أي أجرة أتكثر بها وأخص بها إن القرآن إلا ذكرى موعظة لجميع العالمين.
* (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء) * نزلت في اليهود قاله ابن عباس ومحمد بن كعب، أو في مالك بن الصيف اليهودي إذ قال له الرسول: (أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين)؟ قال: نعم. قال: (فأنت الحبر السمين) فغضب ثم قال: ما أنزل الله على بشر من شيء قاله ابن عباس وابن جبير وعكرمة، أو في فنحاص بن عازورا منهم قاله السدي، أو في اليهود والنصارى قاله قتادة، أو في مشركي العرب قاله مجاهد، وغيره، وبعضهم خصة عنه بمشركي قريش وهي رواية ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية ابن كثير عن مجاهد أن من أولها إلى * (من شىء) * في مشركي قريش وقوله: * (أنزل الكتاب) * في اليهود ولما ذكر تعالى عن إبراهيم دليل التوحيد وتسفيه، رأى أهل الشرك وذكر تعالى ما من به على إبراهيم من جعل النبوة في بنيه وأن نوحا عليه السلام جده الأعلى كأن الله تعالى قد هداه وكان مرسلا إلى قومه وأمر تعالى الرسول بالاقتداء بهدى الأنبياء أخذ في تقرير النبوة والرد على منكري الوحي فقال تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره) * وأصل القدر معرفة الكمية يقال: قدر الشيء إذا حزره وسبره وأراد أن يعلم مقدار يقدره بالضم قدرا وقدرا ومنه فإن غم عليكم فاقدروا له أي فاطلبوا أن تعرفوه، ثم توسع فيه حتى قيل: لكل من عرف شيئا هو يقدر قدره
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»