تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٧٧
* (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) *، وعدد تعالى نعمه على إبراهيم فذكر إيتاءه الحجة على قومه، وأشار إلى رفع درجاته وذكر ما من به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق. قيل: لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمد صلى الله عليه وسلم) ولم يذكره في هذا المقام لأنه أمره عليه السلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله بأن جدهم إبراهيم لما كان موحدا لله متبرئا من الشرك رزقه الله أولا ملوكا وأنبياء، والجملة من قوله: * (ووهبنا) * معطوفة على قوله: * (وتلك حجتنا) * عطف فعلية على اسمية، وقال ابن عطية: * (ووهبنا) * عطف على * (ءاتيناها) * انتهى. ولا يصح هذا لأن * (ءاتيناهم) * لها موضع من الإعراب إما خبر. وإما حال ولا يصح في * (ووهبنا) * شيء منهما.
* (كلا هدينا) * أي كل واحد من إسحاق ويعقوب هدينا.
* (ونوحا هدينا من قبل) * لما ذكر شرف أبناء إبراهيم ذكر شرف آبائه فذكر نوحا الذي هو آدم الثاني وقال: * (من قبل) * تشبيها على قدمه وفي ذكره لطيفة وهي أن نوحا عليه السلام عبدت الأصنام في زمانه، وقومه أول قوم عبدوا الأصنام ووحد هو الله تعالى ودعا إلى عبادته ورفض تلك الأصنام وحكى الله عنه مناجاته لربه في قومه حيث قالوا: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) * وكان إبراهيم عبدت الأصنام في زمانه ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها فذكر الله تعالى نوحا وأنه هداه كما هدى إبراهيم.
* (*) * وكان إبراهيم عبدت الأصنام في زمانه ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها فذكر الله تعالى نوحا وأنه هداه كما هدى إبراهيم.
* (ومن ذريته * داوود * وسليمان) * قيل: ومن ذرية نوح عاد الضمير عليه لأنه أقرب مذكور ولأن في جملتهم لوطا وهو ابن أخي إبراهيم فهو من ذرية نوح لا من ذرية إبراهيم، وقيل: ومن ذرية إبراهيم عاد الضمير عليه لأنه المقصود بالذكر، قال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم وإن كان فيهم من لا يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب، لأن لوطا ابن أخي إبراهيم والعرب تجعل العم أبا، وقال أبو سليمان الدمشقي: ووهبنا له لوطا في المعاضدة والنصرة انتهى. قالوا: والمعنى وهدينا أو ووهبنا * (من * ذريته * داوود * وسليمان) * وقرنهما لأنهما أب وابن ولأنهما ملكان نبيان وقدم داود لتقدمه في الزمان ولكونه صاحب كتاب ولكونه أصلا لسليمان وهو فرعه.
* (وأيوب ويوسف) * قرنهما لاشتراكهما في الامتحان أيوب بالبلاء في جسده ونبذ قومه له ويوسف بالبلاء بالسجن ولغربته عن أهله، وفي مآلهما بالسلامة والعافية، وقدم أيوب لأنه أعظم في الامتحان.
* (وموسى وهارون) * قرنهما لاشتراكهما في الأخوة وقدم موسى لأنه كليم الله.
* (وكذلك نجزى المحسنين) * أي مثل ذلك الجزاء من إيتاء الحجة وهبة الأولاد الخيرين نجزي من كان محسنا في عبادتنا مراقبا في أعماله لنا.
* (وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس) * قرن بينهم لاشتراكهم في الزهد الشديد والإعراض عن الدنيا وبدأ بزكريا ويحيى لسبقهما عيسى في الزمان وقدم زكريا لأنه والد يحيى فهو أصل، ويحيى فرع وقرن عيسى وإلياس لاشتراكهما في كونهما لم يموتا بعد وقدم عيسى لأنه صاحب كتاب ودائرة متسعة، وتقدم ذكر أنساب هؤلاء الأنبياء إلا إلياس وهو إلياس بن بشير بن فنخاص بن العيزار بن هارون بن عمران، وروي عن ابن مسعود أن إدريس هو الياس ورد ذلك بأن إدريس هو جد نوح عليهما السلام تظافرت بذلك الروايات، وقيل: الياس هو الخضر وتقدم خلاف القراء في زكريا مدا وقصرا، وقرأ ابن عباس باختلاف عنه والحسن وقتادة بتسهيل همزة إلياس وفي ذكر عيسى هنا دليل على أن ابن البنت داخل في الذرية وبهذه الآية استدل على دخوله في الوقف على الذرية، وسواء كان الضمير في * (ومن ذريته) * عائدا على نوح أو على إبراهيم فنقول: الحسن والحسين ابنا فاطمة رضي الله عنهم هما
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»