تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٧٦
إيمانهم) * بشرك ولعل ذلك تفسير معنى إذ هي قراءة تخالف السواد، وقال الزمخشري: أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس انتهى، وهذه دفينة اعتزال أي إن الفاسق، ليس له الأمن إذا مات مصرا على الكبيرة، وقوله: وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس هذا رد على من فسر الظلم بالكفر، والشرك وهم الجمهور وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم) بالشرك فوجب قبوله ولعل الزمخشري لم يصح له ذلك عن الرسول، وإنما جعله يأباه لفظ اللبس لأن اللبس هو الخلط فيمكن أن يكون الشخص في وقت واحد مؤمنا عاصيا معصية تفسقه، ولا يمكن أن يكون مؤمنا مشركا في وقت واحد * (ولم يلبسوا) * يحتمل أن يكون معطوفا على الصلة ويحتمل أن يكون حالا دخلت واو الحال على الجملة المنفية بلم كقوله تعالى: * (أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر) * وما ذهب إليه ابن عصفور من أن وقوع الجملة المنفية بلم قليل جدا وابن خروف من وجوب الواو فيها وإن كان فيها ضمير يعود على ذي الحال خطأ بل ذلك قليل وبغير الواو كثير على ذلك لسان العرب، وكلام الله، وقرأ عكرمة: * (ولم يلبسوا) * بضم الياء ويجوز في * (الذين) * أن يكون خبر مبتدأ محذوف وأن يكون خبره المبتدأ والخبر الذي هو * (أولئك لهم الامن) * وأبعد من جعل لهم الأمن خبر الذين وجعل أولئك فاصلة وهو النحاس والحوفي.
* (وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه) * الإشارة بتلك إلى ما وقع به الاحتجاج من قوله * (فلما جن عليه اليل) * إلى قوله * (وهم مهتدون) * وهذا الظاهر، وأضافها إليه تعالى على سبيل التشريف وكان المضاف إليه بنون العظمة لإيتاء المتكلم و * (ءاتيناها) * أي أحضرناها بباله وخلقناها في نفسه إذ هي من الحجج العقلية، أو * (ءاتيناها) * بوحي منا ولقناه إياها وإن أعربت وتلك مبتدأ وحجتنا بدلا * (* وآتيناها) * خيرا ل (تلك) لم يخبر أن يتعلق (على قومه) ب (حجتنا) كذا ابدأ (وتلك حجتنا) مبتدأ وخبر * (* وآتيناها) * حال العامل فيها اسم الإشارة لأن الحجة ليست مصدرا وإنما هو الكلام المؤلف للاستدلال على الشيء ولو جعلناه مصدرا مجازا لم يجز ذلك أيضا لأنه لا يفصل بالخبر ولا بمثل هذه الحال بين المصدر ومطلوبه، وأجاز الحوفي أن يكون * (حجتنا ءاتيناها) * في موضع النعت لحجتنا والنية فيها الانفصال والتقدير: وتلك حجة لنا آتيناها انتهى، وهذا بعيد جدا. وقال الحوفي: وهاء مفعول أول وإبراهيم مفعول ثان وهذا قد قدمنا أنه مذهب السهيلي، وأما مذهب الجمهور فالهاء مفعول ثان وإبراهيم مفعول أول، وقال الحوفي وابن عطية * (على قومه) * متعلق * (* بآتيناها) *. قال ابن عطية أظهرناها لإبراهيم على قومه، وقال أبو البقاء: بمحذوف تقديره حجة على قومه ودليلا، وقال الزمخشري: * (ءاتيناها إبراهيم على) * أرشدناه إليها ووفقناه لها وهذا تفسير معنى، ويجوز أن يكون في موضع الحال وحذف مضاف أي * (إبراهيم على) * مستعلية على حجج قومه قاهرة لها.
* (نرفع درجات من نشاء) * أي مراتب ومنزلة من نشاء وأصل الدرجات في المكان ورفعها بالمعرفة أو بالرسالة أو بحسن الخلق أو بخلوص العمل في الآخرة أو بالنبوة والحكمة في الدنيا أو بالثواب والجنة في الآخرة، أو بالحجة والبيان، أقوال أقر بها الأخير لسياق الآية ونون درجات الكوفيون وأضافها الباقون ونصبوا المنون على الظرف أو على أنه مفعول ثان، ويحتاج هذا القول إلى تضمين نرفع معنى ما يعدي إلى اثنين أي نعطي من نشاء درجات.
* (إن ربك حكيم عليم) * أي * (حكيم) * في تدبير عباده * (عليم) * بأفعالهم أو حكيم في تقسيم عباده إلى عابد صنم وعابد الله * (عليم) * بما يصدر بينهم من الاحتجاج، ويحتمل أن يكون الخطاب في * (إن ربك) * للرسول ويحتمل أن يكون المراد به إبراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.
* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * * (إسحاق) * ابنه لصلبه من سارة و * (يعقوب) * ابن إسحاق كما قال تعالى
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»