ولا يقدر قدره إذا لم يعرفه بصفاته، قال ابن عباس والحسن واختاره الفراء وثعلب والزجاج معناه ما عظموا الله حق تعظيمه، وقال أبو عبيدة والأخفش: ما عرفوه حق معرفته، قال الماتريدي: ومن الذي يعظم الله حق عظمته أو يعرفه حق معرفته؟ قالت الملائكة: ما عبدناك حق عبادتك والرسول صلى الله عليه وسلم) يقول: (لا أحصي ثناء عليك) وينفصل عن هذا أن يكون المعنى: ما عظموه العظمة التي في وسعهم وفي مقدورهم وما عرفوه كذلك، وقال أبو العالية: واختاره الخليل بن أحمد معناه: ما وصفوه حق صفته فيما وجب له واستحال عليه وجاز، وقال ابن عباس أيضا: ما آمنوا بالله حق إيمانه وعلموا أن الله على كل شيء قدير، وقال أبو عبيدة أيضا: ما عبدوه حق عبادته، وقيل: ما أجلوه حق إجلاله حكاه ابن أبي الفضل في ري الظمآن وهو بمعنى التعظيم، وقال ابن عطية: من توفية القدر فهي عامة يدخل تحتها من لم يعرف ومن لم يعظم وغير ذلك غير أن تعليله بقولهم: * (أنزل الله ولا) * يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثة الرسل، وقال الزمخشري: ما عرفوا الله حق معرفته في الرحمة على عباده واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحي إليهم، وذلك من أعظم رحمته وأجل نعمته * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * أو ما عرفوه حق معرفته في سخطه على الكافرين وشدة بطشه بهم ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوة، والقائلون هم اليهود بدليل قراءة من قرأ * (تجعلونه) * بالتاء وكذلك * (تبدونها) * و * (تخافون) * وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فألزموا ما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى. انتهى، والضمير في * (وما قدروا) * عائد على من أنزلت الآية بسببه على الخلاف السابق ويلزم من قال: إنها في بني إسرائيل أن تكون مدنية ولذا حكى النقاش أنها مدنية، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي * (ما قدروا) * بالتشديد * (حق قدره) * بفتح الدال وانتصب * (حق قدره) * على المصدر وهو في الأصل وصف أي قدره الحق ووصف المصدر إذا أضيف إليه انتصب نصب المصدر، والعامل في إذ قدروا وفي كلام ابن عطية ما يشعر أن إذ تعليلا.
* (قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس) * إن كان المنكرون بني إسرائيل فالاحتجاج عليهم واضح لأنهم ملتزمون نزول الكتاب على موسى وإن كانوا العرب فوجه الاحتجاج عليهم أن إنزال الكتاب على موسى أمر مشهور منقول، نقل قوم لم تكن العرب مكذبة لهم وكانوا يقولون: لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم، وقال أبو حامد الغزالي: هذه الآية مبنية على الشكل الثاني من الأشكال المنطقية وذلك لأن حاصله يرجع إلى أن موسى عليه السلام أنزل عليه شيء واحد من البشر ما أنزل الله عليه شيئا ينتج من الشكل الثاني أن موسى ما كان من البشر، وهذا خلف محال وليست هذه الاستحالة بحسب شكل القياس ولا بحسب صحة المقدمة، فلم يبق إلا أنه لزم من فرض صحة المقدمة وهي قولهم: * (ما أنزل الله على بشر من شىء) * فوجب القول بكونها كاذبة فتمت أن دلالة هذه الآية على المطلوب إنما تصح عند الاعتراف بصحة الشكل الثاني من الأشكال المنطقية وعند الاعتراف بصحة قياس الخلف، انتهى كلامه. وفي الآية دليل على أن النقض يقدح في صحة الكلام وذلك أنه نقض قولهم: * (أنزل الله ولا) * بقوله: * (قل من أنزل الكتاب) * فلو لم يكن النقض دليلا على فساد الكلام لما كانت حجة مفيدة لهذا المطلوب، والكتاب هنا التوراة وانتصب نورا وهدى على الحال والعامل أنزل أو جاء.
* (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) * التاء قراءة الجمهور في الثلاثة، وظاهره أنه لبني إسرائيل والمعنى: * (تجعلونه) * ذا * (قراطيس) *، أي أوراقا وبطائق، * (وتخفون كثيرا) * كإخفائهم الآيات الدالة على بعثة