دلالة على أن من قاتل لنصر دين الله لا يخذل ولا يغلب لأن الله مولاه. وقال تعالى: * (إن تنصروا الله ينصركم) * * (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) *.
* (سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب) * أي هؤلاء الكفار، وإن كانوا ظاهرين عليكم يوم أحد فإنا نخذلهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وأتى بالسين القريبة الاستقبال، وكذا وقع. لألقى الله في قلوبهم الرعب يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب من المسلمين، ولهم إذ ذاك القوة والغلبة. وقيل: ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا ببعض الطريق قالوا: ما صنعنا شيئا قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم فأمسكوا. والإلقاء حقيقة في الإجرام، واستعير هنا للجعل، ونظيره: * (والذين يرمون المحصنات) * ومثله قول الشاعر:
* هما نفثا في في من فمويهما * على النابح العاوي أشد رجام * وقرأ الجمهور: سنلقي بالنون، وهو مشعر بعظم ما يلقي، إذ أسنده إلى المتكلم بنون العظمة. وقرأ أيوب السختياني: سيلقي بالياء جريا على الغيبة السابقة في قوله: * (وهو خير الناصرين) * وقدم في قلوبهم: وهو مجرور على المفعول للاهتمام بالمحل الملقى فيه قبل ذكر الملقى. وقرأ ابن عامر والكسائي: الرعب بضم العين، والباقون بسكونها. فقيل: لغتان. وقيل: الأصل السكون، وضم اتباعا كالصبح والصبح. وقيل: الأصل الضم، وسكن تخفيفا، كالرسل والرسل. وذكروا في إلقاء الرعب في قلوب الكفار يوم أحد قصة طويلة أردنا أن لا نخلي الكتاب من شيء منها، فلخصنا منها أن عليا أخبر الرسول بأن أبا سفيان وأصحابه حين ارتحلوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم رجع الرسول إلى المدينة فتجهزوا تبع المشركين إلى حمراء الأسد. وأن معبد الخزاعي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم) وهو كافر ممتعض مما حل بالمسلمين، وكانت خزاعة تميل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم)، وأن المشركين هموا بالرجوع إلى القتال فخذلهم صفوان بن أمية ومعبد. وقال معبد: خرجوا يتحرقون عليكم في جمع لم أر مثله، ولم أر إلا نواصي خيلهم قد جاءتكم. وحملني ما رأيت أني قلت في ذلك شعرا وأنشد:
* كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالحرد الأبابيل * * تردي بأسد كرام لا تنابله * عند اللقاء ولا ميل مهازيل * * فظلت أعدو أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول * إلى آخر الشعر، فوقع الرعب في قلوب الكفار. وقوله: سنلقي، وعد للمؤمنين بالنصر بعد أحد، والظفر. وقال: * (خير من ألف شهر) * وفيها دلالة على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذ أخبر عن الله بأنه يلقي الرعب في قلوبهم فكان كما أخبر به.
* (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * الباء للسبب، وما مصدرية: أي بسبب إشراكهم بالله آلهة لم ينزل بإشراكها حجة ولا برهانا، وتسليط النفي على الإنزال، والمقصود: نفي السلطان، أي آلهة لا سلطان في إشراكها، فينزل نحو قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره