تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٧٢
هي بمعنى الهمزة. وقيل: أم متصلة. قال ابن بحر: هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تتقدم، وذلك أن قوله: * (إن يمسسكم قرح وتلك الايام نداولها) * إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك: أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمل مشقة وأن تجاهدوا فيعلم الله ذلك منكم واقعا. انتهى كلامه. وتقدم لنا إبطال مثل هذا القول. وهذا الاستفهام الذي تضمنته معناه الإنكار والإضراب الذي تضمنته أيضا هو ترك لما قبله من غير إبطال وأخذ فيما بعده.
وقال أبو مسلم الأصبهاني: أم حسبتم نهي وقع بلفظ الاستفهام الذي يأتي للتبكيت. وتلخيصه: لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يقع منكم الجهاد. لما قال: * (ولا تهنوا ولا تحزنوا) * كان في معنى: أتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر. وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة، وأوجب الصبر على تحمل مشاقها، وبين وجوه مصالحها في الدين والدنيا. فلما كان كذلك كان من البعد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه القاعدة انتهى كلامه. وظاهره: أن أم متصلة، وخسبتم هنا بمعنى ظننتم الترجيحية، وسد مسد مفعوليها أن وما بعدها على مذهب سيبويه، وسد مسد مفعول واحد والثاني محذوف على مذهب أبي الحسن.
ولما يعلم: جملة حالية، وهي نفي مؤكد لمعادلته للمثبت المؤكد بقد. فإذا قلت: قد قام زيد ففيه من التثبيت والتأكيد ما ليس في قولك: قام زيد. فإذا نفيته قلت: لما يقم زيد. وإذا قلت: قام زيد كان نفيه لم يقم زيد، قاله سيبويه وغيره. وقال الزمخشري: ولما بمعنى لم، إلا أن فيه ضربا من التوقع فدل على نفي الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل. وتقول: وعدني أن يفعل كذا، ولما تريد، ولم يفعل، وأنا أتوقع فعله انتهى كلامه. وهذا الذي قاله في لما أنها تدل على توقع الفعل المنهى بها فيما يستقبل، لا أعلم أحدا من النحويين ذكره. بل ذكروا أنك إذا قلت: لما يخرج زيد دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلا نفيه إلى وقت الإخبار. أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئا يقارب ما قاله الزمخشري. قال: لما لتعريض الوجود بخلاف لم.
وقرأ الجمهور بكسر الميم لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب والنخعي بفتحها، وخرج على أنه اتباع لفتحة اللام وعلى إرادة النون الخفيفة وحذفها كما قال الشاعر:
* لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه * وقرأ الجمهور: (ويعلم) برفع الميم فقيل: هو مجزوم، وأتبع الميم اللام في الفتح كقراءة من قرأ: ولما يعلم بفتح الميم على أحد التخريجين. وقيل: هو منصوب. فعلى مذهب البصريين بإضمار أن بعد واو مع نحو، لا تأكل السمك وتشرب اللبن. وعلى مذهب الكوفيين بواو الصرف، وتقرير المذهبين في علم النحو. وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة وعمرو بن عبيد بكسر الميم عطفا على ولما يعلم. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو ويعلم برفع الميم. قال الزمخشري: على أن الواو للحال كأنه قيل: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون انتهى. ولا يصلح ما قال، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع، لا يجوز: جاء زيدو يضحك، وأنت تريد جاء زيد يضحك، لأن المضارع واقع موقع
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»