يطرأ عليه التغير. ومثله أن يضرب حاكم رجلا ثم يبين سبب الضرب ويقول: فعلت هذا التبيين لا ضرب مستحقا معناه: ليظهر أن فعلي وافق استحقاقه. وقيل: معناه وليعلمهم علما يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمهم موجودا منهم الثبات. وقيل: العلم باق على مدلوله، وهو على حذف مضاف التقدير: وليعلم أولياء الله، فأسند ذلك إلى نفسه تفخيما. * (ويتخذ * منهم * شهداء) * أي بالقتل في سبيله، فيكرمهم بالشهادة. يعني يوم أحد. وقد ورد في فضل الشهيد غير ما آية وحديث. أو شهداء على الناس يوم القيامة أي وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم على الشدائد من قوله تعالى: * (لتكونوا شهداء على الناس) *. والقول الأول أظهر وأليق بقصة أحد.
* (والله لا يحب الظالمين) * أي لا يحب من لا يكون ثابتا على الإيمان صابرا على الجهاد. وفيه إشارة إلى أن من انخذل يوم أحد كعبد الله بن أبي وأتباعه من المنافقين، فإنهم بانخذالهم، لم يطهر إيمانهم بل نجم نفاقهم، ولم يصلحوا لاتخاذهم شهداء بأن يقتلوا في سبيل الله. وذلك إشارة أيضا إلى أن ما فعل من ادالة الكفار، ليس سببه المحبة منه تعالى، بل ما ذكر من الفوائد من ظهور إيمان المؤمن وثبوته، واصطفائه من شاء من المؤمنين للشهادة. وهذه الجملة اعترضت بين بعض العلل وبعض، لما فيها من التشديد والتأكيد. وأ مناط انتفاء المحبة هو الظلم، وهو دليل على فحاشته وقبحه من سائر الأوصاف القبيحة.
* (وليمحص الله الذين ءامنوا) * أي يطهرهم من الذنوب، ويخلصهم من العيوب، ويصفيهم. قال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي ومقاتل وابن قتيبة في آخرين: التمحيص الابتلاء والاختبار. قال الشاعر:
* رأيت فضيلا كان شيئا ملففا * فكشفه التمحيص حتى بداليا * وقال الزجاج: التنقية والتخليص، وذكره عن: المبرد، وعن الخليل. وقيل: التطهير. وقال الفراء: هو على حذف مضاف، أي وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا.
* (ويمحق الكافرين) * أي يهلكهم شيئا فشيئا. والمعنى: أن الدولة إن كانت للكافرين على المؤمنين كانت سببا لتمييز المؤمن من غيره، وسببا لاستشهاد من قتل منهم، وسببا لتطهير المؤمن من الذنب. فقد جمعت فوائد كثيرة للمؤمنين، وإن كان النصر للمؤمنين على الكافرين كان سببا لمحقهم بالكلية واستئصالهم قاله: ابن عباس. وقال ابن عباس أيضا: ينقصهم ويقللهم، وقاله: الفراء. وقال مقاتل: يذهب دعوتهم. وقيل: يحبط أعمالهم، ذكره الزجاج، فيكون على حذف مضاف.
والظاهر أن المراد بالكافرين هنا طائفة مخصوصة، وهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم). لأنه تعالى لم يمحق كل كافر، بل كثير منهم باق على كفره. فلفظة الكافرين عام أريد به الخصوص. قيل: وقابل تمحيص المؤمن بمحق الكافر، لأن التمحيص إهلاك الذنوب، والمحق إهلاك النفوس، وهي مقابلة لطيفة في المعنى انتهى. وفي ذكر ما يلحق المؤمن عند إدالة الكفار تسلية لهم وتبشير بهذه الفوائد الجليلة، وأن تلك الإدالة لم تكن لهوان بهم، ولا تحط من أقدارهم، بل لما ذكر تعالى.
وقد تضمنت هذه الآيات فنونا من الفصاحة والبديع والبيان: من ذلك الاعتراض في: والله يحب المحسنين، وفي: ومن يغفر الذنوب إلا الله، وفي: والله لا يحب الظالمين. وتسمية الشيء باسم سببه في: إلى مغفرة من ربكم. والتشبيه في: عرضها السماوات والأرض. وقيل: هذه استعارة وإضافة الحكم إلى الأكثر في أعدت للمتقين، وهي معدة لهم ولغيرهم من العصاة. والطباق في: السراء والضراء، وفي: ولا تهنوا والأعلون، لأن الوهن والعلو ضدان. وفي آمنوا