تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٧٨
بذلك كافرا لأن من استحل ما حرم الله فقد كفر، والكافر يريد أن يراد به الشر، وقيل: المعنى: إنه لما قال: * (لقتلنك) * استوجب النار بما تقدم في علم الله، وعلى المؤمن أن يريد ما أراد الله، وظاهر الآية أنهما آثمان، قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة: تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، فحذف المضاف هذا قول عامة المفسرين، وقال الزجاج: إثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك، وهو راجع في المعنى إلى ما قبله، وقيل: المعنى بإثمي، أن لو قاتلتك وقتلتك وإثم نفسك في قتالي وقتلي، وهذا هو الإثم الذي يقتضيه قوله - صلى الله عليه وسلم - ' إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه ' فكان هابيل أراد: إني لسن بحريص على قتلك، فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي، قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يحتمل إثم قتله له * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * قلت: المراد بمثل إثمي على الاتساع في الكلام، كما تقول: قرأت قراءة فلان، وكتبت كتابته، تريد المثل وهو اتساع فاش مستفيض، لا يكاد يستعمل غيره فإن قلت: فحين كف هابيل عن قتل أخيه، واستسلم وتحرج عما كان محظورا في شريعته من الدفع، فأين الإثم حتى يتحمل أخوه مثله، فيجتمع عليه الإثمان قلت: هو مقدر، فهو يحتمل مثل الإثم المقدر، كأنه قال: إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت إليك يدي انتهى، وقيل: بإثمي الذي يختص بي، فيما فرط لي أي: يؤخذ من سيئآتي، فتطرح عليك بسبب ظلمك لي * (وتبوء بإثمك) * في قتلي، ويعضد هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ' يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة، فيؤخذ من حسنات الظالم، فيزاد في حسنات المظلوم، حتى ينتصف، * (بإثمي) * اللاحق لي، أي: بمثل إثمي اللاحق لي، على تقدير وقوع قتلي لك، وإثمك اللاحق لك بسبب قتلي، الثاني * (بإثمي) * اللاحق لك بسبب قتلي، وإضافة إليه لما كان سببا له * (وإثمك) * اللاحق لم بسبب قتلي، الوجهان على إثبات الإرادة المجازية والحقيقية، وقيل: المعنى على النفي التقدير: إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك، كقوله * (رواسي أن تميد بكم) * لقمان [10] أي: لا تميدوا * (أن تضلوا) * النساء [176] أي: لا تضلوا، فحذف لا، وهذا التأويل فرار من إثبات إرادة الشر لأخيه المؤمن، وضعف القرطبي هذا الوجه، بقوله - صلى الله عليه وسلم - ' لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل '، فثبت بهذا أن إثم القاتل حاصل انتهى، ولا يضعف هذا القول بما ذكره القرطبي، لأن قائل هذا لا يلزم من نفي إرادته القتل أن لا يقع القتل، بل قد لا يريده ويقع ونصر تأويل النفي الماوري، وقال: إن القتل قبيح، وإرادة القبيح قبيحة، ومن الأنبياء أقبح، ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ * (إني أريد) * أي: كيف أريد، ومعناه استبعاد الإرادة ولهذا قال بعض المفسرين، إن هذا استفهام على جهة الإنكار، أي: إني فحذف الهمزة لدلالة المعنى عليه ، لأن إرادة القتل معصية حكاه القشيري انتهى، وهذا كله خروج عن ظاهر اللفظ لغير ضرورة، وقد تقدم إيضاح الإرادة، وجواز ورودها هنا، واستدل بقوله * (فتكون من أصحاب النار) * على أن قابيل كان كافرا، لأن هذا اللفظ إنما ورد في القرآن في الكفار، وعلى هذا القول، ففيه دليل على أن الكفار
(٤٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 ... » »»