تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٧٣
فوالله ما أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع * والظاهر أن العامل في قوله: أربعين محرمة، فيكون التحريم مقيدا بهذه المدة، ويكون يتيهون مستأنفا أو حالا من الضمير في عليهم. ويجوز أن يكون العامل يتيهون أي: يتيهون هذه المدة في الأرض، ويكون التحريم على هذا غير مؤقت بهذه المدة، بل يكون إخبارا بأنهم لا يدخلونها، وأنهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة يموت فيها من مات. وروي أنه من كان جاوز عشرين سنة لم يعش إلى الخروج من التيه، وأن من كان دون العشرين عاشوا، كأنه لم يعش المكلفون العصاة، أشار إلى ذلك الزجاج، ولذلك ذهب إلى أن العامل في أربعين محرمة. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون العامل في أربعين مضمرا يدل عليه يتيهون المتأخر انتهى. ولا أدري ما الحامل له على قوله: إن العامل مضمر كما ذكر؟ بل الذي جوز الناس في ذلك أن يكون العامل فيه يتيهون نفسه، لا مضمر يفسره قوله: يتيهون في الأرض. والأرض التي تاهوا فيها على ما حكى طولها ثلاثون ميلا، في عرض ستة فراسخ، وهو ما بين مصر والشام. وقال ابن عباس: تسعة فراسخ، قال مقاتل: هذا عرضها وطولها ثلاثون فرسخا. وقيل: ستة فراسخ في طول اثنى عشر فرسخا، وقيل: تسعة فراسخ. وتظافرت أقوال المفسرين على أن هذا التيه على سبيل خرق العادة، فإنه عجيب من قدرة الله تعالى، حيث جاز على جماعة من العقلاء أن يسيروا فراسخ يسيرة ولا يهتدون للخروج منها. روي أنهم كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع، حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي ابتدأوا منه، ويسيرون النهار جادين حتى إذا أمسوا أذاهم بحيث ارتحلوا عنه، فيكون سيرهم تحليفا. قال مجاهد وغيره: كانوا يسيرون النهار أحيانا والليل أحيانا، فيمسون حيث أصبحوا، ويصبحون حيث يمسون، وذلك في مقدار ستة فراسخ، وكانوا في سيارة لا قرار لهم انتهى. وذكر أنهم كانوا ستمائة ألف مقاتلين، وذكروا أن حكمة التيه هو أنهم لما قالوا: * (إنا هاهنا قاعدون) * عوقبوا بالقعود، فصاروا في صورة القاعدين وهم سائرون، كلما ساروا يوما أمسوا في المكان الذي أصبحوا فيه. وذكروا أن حكمة كون المدة التي تاهوا فيها أربعين سنة هي كونهم عبدوا العجل أربعين يوما، جعل عقاب كل يوم سنة في التيه. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون تيههم بافتراق الكلمة، وقلة اجتماع الرأي، وأنه تعالى رماهم بالاختلاف، وعلموا أنها حرمت عليهم أربعين سنة، فتفرقت منازلهم في ذلك الفحص، وأقاموا ينتقلون من موضع إلى موضع على غير نظام واجتماع حتى كملت هذه المدة، وأذن الله تعالى بخروجهم، وهذا تيه ممكن محتمل على عرف البشر. والآخر الذي ذكره مجاهد إنما هو خرق عادة وعجب من قدرة الله تعالى.
* (فلا تأس على القوم الفاسقين) * الظاهر أن الخطاب من الله تعالى لموسى عليه السلام. قال ابن عباس: ندم موسى على دعائه على قومه وحزن عليهم انتهى. فهذه مسلاة لموسى عليه السلام عن أن يحزن على ما أصاب قومه، وعلل كونه لا يحزن بأنهم قوم فاسقون بهوت أحقاء بما نالهم من العقاب. وقيل: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم)، والمراد بالفاسقين معاصروه أي: هذه فعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك فإنها سجية خبيثة موروثة عندهم.
وقيل: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم)، والمراد بالفاسقين معاصروه أي: هذه فعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك فإنها سجية خبيثة موروثة عندهم.
* (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»