القاضي أبو يعلى * (من الخاسرين) * أنفسهم بإهلاكهم إياها، وقال مجاهد: خسرانه أن عقلت إحدى رجلي القاتل لساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت، عليه في الصيف حظيرة من نار، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج، قال القرطبي: ولعل هذا يكون عقوبته على القول بأنه عاص لا كافر، فيكون خسرانه في الدنيا، وقيل * (من الخاسرين) * باسوداد وجهه، وكفره باستحلاله ما حرم من قتل أخيه، وفي الآخرة بعذاب النار، وثبت في الحديث ' ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، وذلك لأنه أول من سن القتل ' وروي عن عبد الله بن عمر: أنه قال ' إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة في العذاب، عليه شطر عذابهم ' * (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه) * روي: أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض، ولما قتل تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، فخاف السباع، فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح، وعكفت عليه السباع، فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه، ثم ألقاه في الحفرة، فقال * (يا ويلتي أعجزت) *، وقيل: حمله مائة سنة، وقيل: طلب في ثاني يوم إخفاء قتل أخيه، فلم يدر ما يصنع، وقيل: وبعث الله غرابا إلى غراب ميت، فجعل يبحث في الأرض ويلقي التراب على الغراب الميت، وقيل: بعث الله غرابا واحدا، فجعل يبحث ويلقي التراب على هابيل، وروي: أنه أول ميت مات على وجه الأرض، وكذلك جهل سنة المواراة، والظاهر أنه غراب بعثه الله يبحث في الأرض ليرى قابيل كيف يواري سوءة هابيل، فاستفاد قابيل ببحثه في الأرض أن يبحث هو في الأرض فيستر فيه أخيه، والمراد بالسوءة هنا، قيل: العورة، وخصت بالذكر مع أن المراد مواراة جميع الجسد، للاهتمام بها، ولأن سترها أوكد، وقيل: جميع جيفته، قيل: فإن الميت كله عورة، ولذلك كفن بالأكفان، قال ابن عطية: ويحتمل أن يراد بالسوءة: هذه الحالة التي تسوء الناظر بمجموعها، وأضيفت إلى المقتول من حيث نزلت به النازلة، لا على جهة الغض منه، بل الغض لا حق للقاتل، وهو الذي أتى بالسوءة انتهى، والسوءة: الفضيحة لقبحها قال الشاعر:
* يا لقومي للسوءة السوآة * أي: للفضيحة العظيمة، قالوا: ويحتمل إن صح أنه قتل غراب غرابا، أو كان ميتا أن يكون الضمير في * (أخيه) * عائد على الغراب، أي: ليرى قابيل كيف يواري الغراب سوءة أخيه، وهو الغراب الميت، فيتعلم منه بالأداة كيف يواري قابيل سوءة هابيل، وهذا فيه بعد، لأن الغراب لا تظهر له سوءة، والظاهر أن الإرادة هنا من جعله يرى أي يبصر، وعلق * (ليريه) * عن المفعول الثاني بالجملة التي فيها الاستفهام في موضع المفعول الثاني، و * (كيف) * معمولة ل * (يواري) * ول * (يريه) * متعلق ب * (يبحث) * ويجوز أن يتعلق بقوله * (فبعث) * وضمير الفاعل في * (ليريه) * الظاهر أنه عائد على الله تعالى، لأن الإرادة حقيقة هي من الله، إذ ليس للغراب قصد الإراءة وإرادتها، ويجوز أن يعود على الغراب، أي: ليريه الغراب، أي: ليعلمه، لأنه لما كان سبب تعليمه، فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز، ويظهر أن الحكمة في أن كان هذا المبعوث غرابا دون غيره من الحيوان ومن الطيور، كونه يتشاءم به في الفراق، والاغتراب، وذلك مناسب لهذه القصة، وقيل * (فبعث) * جملة محذوفة دل عليها المعنى تقديره: فجعل مواراته * (فبعث) * * (قال يا