قال الرسول عنه: إنه أول من سن القتل، وقد كان القتل في بني إسرائيل، ويحتمل قوله * (بالحق) * أن يكون حالا من الضمير في * (واتل) * أي: مصحوبا بالحق، وهو الصدق الذي لا شك في صحته، أو في موضع الصفة لمصدر محذوف، أي: تلاوة ملتبسة بالحق، والعامل في * (إذ) * * (نبأ) * أي: حديثهما وقصتهما في ذلك الوقت، وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون بدلا من النبأ، أي: أتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت، على تقدير حذف المضاف انتهى، ولا يجوز ما ذكر، لأن * (إذ) * لا يضاف إليها إلا الزمان، و * (نبأ) * ليس بزمان، وقد طول المفسرون في سبب تقريب هذا القربان، وملخصه: أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا أو أنثى، وكان آدم يزوج ذكر هذا البطن أنثى ذلك البطن، وأنثى هذا ذكر ذلك، ولا يحل للذكر نكاح توءمته، فولد مع قابيل أخت جميلة اسمها أقليميا، وولد مع هابيل أخت دون تلك اسمها لبوذا، فأبى قابيل إلا أن يتزوج توءمة هابيل، وأن يخالف سنة النكاح إيثارا لجمالها، ونازع قابيل هابيل في ذلك، فقيل أمرهما آدم بتقريب القربان، وقيل: تقربا من عند أنفسهما، إذ كان آدم غائبا، توجه إلى مكة لزيارة البيت بإذن ربه، والقربان الذي قرباه هو زرع لقابيل، وكان صاحب زرع، وكبش هابيل وكان صاحب غنم * (فتقبل من أحدهما) * وهو هابيل * (ولم يتقبل من الآخر) * وهو قابيل، أي: فتقبل القربان، وكانت علامة التقبل: أكل النار النازلة من السماء القربان المتقبل وترك غير المتقبل، وقال مجاهد: كانت النار تأكل المردود، وترفع المقبول إلى السماء، وقال الزمخشري: يقال: قرب صدقة وتقرب بها، لأن تقرب قرب انتهى، وليس تقرب بصدقة مطاوع، قرب صدقة لاتحاد فاعل فعلين، والمطاوعة يختلف فيها الفاعل، فيكون * (من أحدهما) * فعل، * (ومن الآخر) * انفعال نحو: كسرته فانكسر، وفلقته فانفلق، وليس قربت صدقة، وتقربت بها، من هذا الباب، فهو غلط فاحش، * (قال لأقتلنك) * هذا وعيد وتهديد شديد، وقد أبرز هذا الخبر مؤكدا بالقسم المحذوف أي: لأقتلنك حسدا على تقبل قربانك، وعلى فوزك باستحقاق الجميلة أختي، وقرأ زيد بن علي * (لأقتلنك) * بالنون الحفيفة، * (قال إنما يتقبل الله من المتقين) * قال ابن عطية: قبله كلام محذوف تقديره: لم تقتلني وأنا لم أجن شيئا، ولا ذنب لي في قبول الله قرباني، أما إني أتقيه وكتب على لأحب الخلق * (إنما يتقبل الله من المتقين) * وخطب الزمخشري هنا فقال فإن قلت: كيف كان قوله * (إنما يتقبل الله من المتقين) * جوابا لقوله * (لأقتلنك) * قلت: لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل، قال له: إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى، لا من قبلي، فلم تقتلني؟ وما لك لا تعاقب نفسك، ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول، فأجابه بكلام حكيم مختصر، جامع لمعان، وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم، وعن عامر بن عبد الله: أنه بكى حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك؟ فقد كنت وكنت قال: إني أسمع الله يقول * (إنما يتقبل الله من المتقين) * انتهى كلامه، ولم يخل من دسيسة الاعتزال على عادته، يحتاج الكلام في فهمه إلى هذه التقديرات، والذي قدرناه أولا كاف، وهو أن المعنى: لأقتلنك حسدا على تقبل قربانك، فعرض له بأن سبب قبول القربان هو التقوى، وليس متقيا، وإنما عرض له بذلك، لأنه لم يرض بسنة النكاح التي قررها الله تعالى، وقصد خلافها، ونازع، ثم كانت نتيجة ذلك أن برزت في أكبر الكبائر بعد الشرك، وهو قتل النفس التي حرمها الله، قال ابن عطية: وأجمع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشر، فمن اتقاه وهو موحد، فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وقال عدي بن ثابت وغيره: قربان هذه الأمة الصلاة، وقول من زعم أن قوله * (إنما تقبل الله من المتقين) * ليس من لاكم المقتول، بل هو من
(٤٧٦)