تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٦٧
لحكمه.
* (وإليه المصير) * أي الرجوع بالحشر والمعاد.
* (المصير يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) * أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم). وقيل: المخاطب بأهل الكتاب هنا هم اليهود خاصة، ويرجحه ما روي في سبب النزول: وأن معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب قالوا: يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله. ويبين لكم أي يوضح لكم ويظهر. ويحتمل أن يكون مفعول يبين حذف اختصار، أو يكون هو المذكور في الآية. قبل هذا، أي: يبين لكم ما كنتم تخفون، أو يكون دل عليه معنى الكلام أي: شرائع الدين. أو حذف اقتصارا واكتفاء بذكر التبيين مسندا إلى الفاعل، دون أن يقصد تعلقه بمفعول، والمعنى: يكون منه التبيين والإيضاح. ويبين لكم هنا وفي الآية قبل في موضع نصب على الحال. وعلى فترة متعلق بجاءكم، أو في موضع نصب على الحال، والمعنى: على فتور وانقطاع من إرسال الرسل.
والفترة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعيسى عليه السلام قال قتادة: خمسمائة سنة وستون. وقال الضحاك: أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة. وقيل: أربعمائة ونيف وستون. وذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات له عن ابن عباس: أن كان بين ميلاد عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء. وهو قوله تعالى: * (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) * وهو شمعون وكان من الحواريين. وقال الكلبي مثل قول ابن عباس إلا أنه قال: بينهما أربعة أنبياء، واحد من العرب من بني عبس وهو خالد بن سنان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم): (ضيعه قومه). وروي عن الكلبي أيضا خمسمائة وأربعون. وقال وهب: ستمائة سنة وعشرون. وقيل: سبعمائة سنة. وقال مقاتل: ستمائة سنة، وروي هذا عن قتادة والضحاك. وذكر ابن عطية أن هذا روي في الصحيح. فإن كانا كما ذكر وجب أن لا يعدل عنه لسواه. وهذه التواريخ نقلها المفسرون من كتب اليونان وغيرهم ممن لا يتحرى النقل. وذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس والزمخشري عن الكلبي قالا: كان بين موسى وعيسى ألف سنة وسبعمائة سنة، وألف نبي، زاد ابن عباس من بني إسرائيل دون من أرسل من غيرهم، ولم يكن بينهما فترة. والمعنى: الامتنان عليهم بإرسال الرسل على حين انطمست آثار الوحي، وهم أحوج ما يكونون إليه ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة، ويلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غلفتهم. وأن تقولوا: مفعول من أجله فقده البصريون: كراهة أو حذار أن تقولوا. وقدره الفراء: لئلا تقولوا. ويعني يوم القيامة على سبيل الاحتجاج.
* (فقد جاءكم بشير ونذير) * قيل: وفي الكلام حذف أي: لا تعتدوا فقد جاءكم بشير، أي لمن أطاع بالثواب، ونذير لمن عصى بالعقاب. وفي هذا رد على اليهود حيث قالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده.
* (والله على كل شيء قدير) * هذا عام فقيل على كل شيء من الهداية والضلال. وقيل: من البعثة وإمساكها. والأولى العموم فيندرج فيه ما ذكروا.
* (وإذ قال موسى لقومه ياقوم * قوم * اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم * أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) * مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين تمرد أسلاف اليهود على موسى، وعصيانهم إياه، مع تذكيره إياهم نعم الله وتعداده لما هو العظيم منها، وأن هؤلاء الذين هم بحضرة الرسول هم جارون معكم مجرى أسلافهم مع موسى. ونعمة الله يراد بها الجنس، والمعنى: واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوتك. وينتظم في ذلك ذكر نعم الله عليهم، وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة. وعدد عليهم من نعمه ثلاثا: الأولى: جعل أنبياء فيهم وذلك أعظم الشرف، إذ هم الوسائط بين الله وبين خلقه، والمبلغون عن الله شرائعه. قيل: لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء. وقال ابن السائب ومقاتل: الأنبياء هنا هم السبعون الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وكانوا من خيار قومه. وقيل: هم الذين أرسلوا من بعد في بني إسرائيل كموسى ذكره الماوردي وغيره، وعلى هذا
(٤٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 ... » »»