ذلك يكون في الأكثر لا يكون ضررا حاضرا، لأن الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه. وقيل: السوء هنا السرقة. وقيل: الشرك. وقيل: كل ما يأثم به. وقيل: ظلم النفس هنا رمي البريء بالتهمة. وقيل: ما دون الشرك من المعاصي. وقال ابن عطية: هما بمعنى واحد تكرر باختلاف لفظ مبالغة. والظاهر تعليق الغفران والرحمة للعاصي على مجرد الاستغفار وأنه كاف، وهذا مقيد بمشيئة الله عند أهل السنة. وشرط بعضهم مع الاستغفار التوبة، وخص بعضهم ذلك بأن تكون المعصية مما بين العبد وبين ربه، دون ما بينه وبين العبيد. وقيل: الاستغفار التوبة. وفي لفظة: يجد الله غفورا رحيما، مبالغة في الغفران. كأن المغفرة والرحمة معدان لطالبهما، مهيآن له متى طلبهما وجدهما. وهذه الآية فيها لطف عظيم ووعد كريم للعصاة إذا استغفروا الله، وفيها تطلب توبة بني أبيرق والذابين عنهم واستدعاؤهم لها. وعن ابن مسعود: أنها من أرجى الآيات.
* (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما) * الإثم: جامع للسوء وظلم النفس السابقين والمعنى: أن وبال ذلك لاحق له لا يتعداه إلى غيره، وهو إشارة إلى الجزاء اللاحق له في الآخرة. وختمها بصفة العلم، لأنه يعلم جميع ما يكسب، لا يغيب عنه شيء من ذلك. ثم بصفة الحكمة لأنه واضع الأشياء مواضعها فيجازى على ذلك الإثم بما تقتضيه حكمته. فالصفتان أشارتا إلى علمه بذلك الإثم، وإلى ما يستحق عليه فاعله. وفي لفظة: على، دلالة استعلاء الإثم عليه، واستيلائه وقهره له.
* (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) * قيل: نزلت في طعمة بن أبيرق حين سرق الدرع ورماها في دار اليهودي. وروى الضحاك عن ابن عباس: أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول، إذ رمى عائشة بالإفك. وظاهر العطف بأو المغايرة، فقيل: الخطيئة ما كان عن غير عمد. والإثم: ما كان عن عمد، والصغيرة والكبيرة، أو القاصر على فعل والمتعدي إلى غيره. وقيل: الخطيئة سرقة الدرع، والإثم يمينه الكاذبة. وقال ابن السائب: الخطيئة يمين السارق الكاذبة، والإثم سرقة الدرع، ورمى اليهودي به. وقال الطبري: الخطيئة تكون عن عمد وغير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل: هما لفظان بمعنى واحد، كررا مبالغة. والضمير في: به، عائد على الإثم، والمعطوف بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف عليه كقوله: انفضوا إليها وعلى المعطوف كهذا. وتقدم الكلام في ذلك بأشبع من هذا. وقيل: يعود على الكسب المفهوم من يكسب. وقيل: على المكسوب. وقيل: يعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو، كأنه قيل: ثم يرم بأحد المذكورين. وقيل: ثم محذوف تقديره: ومن يكسب خطيئة ثم يرم به بريئا أو إثما ثم يرم به بريئا، وهذه تخاريج من لم يتحقق بشيء من علم النحو.
والبريء المتهم بالذنب ولم يذنب. ومعنى: فقد احتمل بهتانا، أي برميه البريء، فإنه يبهته بذلك، وإثما مبينا أي: ظاهرا لكسبه الخطيئة أو الإثم. والمعنى: أنه يستحق عقابين: عقاب الكسب، وعقاب البهت. وقدم البهت لقربه من قوله: ثم يرم به بريئا، ولأنه ذنب أفظع من كسب الخطيئة أو الإثم. ولفظ احتمل أبلغ من حمل، لأن افتعل فيه للتسبب كاعتمل. ويحتمل أن يكون افتعل فيه كالمجرد كما قال: * (وليحملن أثقالهم) * فيكون كقدر واقتدر. لما كان الوزر يوصف بالفعل، جاء ذكر الحمل والاحتمال وهو استعارة. جعل المجني كالجرم