تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٦٠
الضمير يعود على الصنف المرتكب للمعاصي، ويندرج هؤلاء فيهم، وهم أهل الخيانة المذكورة والمتناصرون لهم. وقيل: يعود على من باعتبار المعنى، وتكون الجملة نعتا. وهو معهم أي: عالم بهم مطلع عليهم، لا يخفى عنه تعالى شيء من أسرارهم، وهي جملة حالية. قال الزمخشري: وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم عليه من قلة الحياء والخشية من ربهم، مع علمهم إن كانوا مؤمنين أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح انتهى. وهذا كقول الشاعر:
* يا للعجاج لمن يعصي ويزعم إذ * قد آمنوا بالذي جاءت به الرسل * * أتى بجامع إيمان لمعصية * كلا أماني كذب ساقها الأمل * أي أن المعصية كلا أماني كذب ساقها الأمل الاستخفاء: الاستتار. وقال ابن عباس: الاستحياء استحى فاستخفى، إذ يبيتون ما لا يرضى من القول الذي رموا به البريء، ودافعوا به عن السارق. والعامل في إذ العامل في معهم، وتقدم الكلام في التبييت.
* (وكان الله بما يعملون محيطا) * كناية عن المبالغة في العلم. ولما كانت قصة طعمة جمعت بين عمل وقول: جاء وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا، فنبه على أنه عالم بأقوالهم وأعمالهم. وتضمن ذلك الوعيد الشديد والتقريع البالغ، إذ كان تعالى محيطا بجميع الأقوال والأعمال، فكان ينبغي أن تستر القبائح عنه بعدم ارتكابها.
* (هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحيواة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) * تقدم الكلام على ها أنتم هؤلاء، وعلى الجملة بعدها قراءة وإعرابا في سورة آل عمران والخطاب للذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي، ويندرج في هذا العموم أهل النازلة. والأظهر أن يكون ذلك خطابا للمتعصبين في قصة طعيمة، ويندرج فيه من عمل عملهم. ويقوي ذلك أن هؤلاء إشارة إلى حاضرين. وقرأ عبد الله عنه في الموضعين أي: عن طعمة. وفي قوله: فمن يجادل الله عنهم، وعيد محض أي: أن الله يعلم حقيقة الأمر، فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال ولا غيره. ومعنى هذا الاستفهام النفي أي: لا أحد يجادل الله عنهم يوم القيامة إذا حل بهم عذابه. والوكيل: الحافظ المحامي، والذي يكل الإنسان إليه أموره. وهذا الاستفهام معناه النفي أيضا، كأنه قال: لا أحد يكون وكيلا عليهم فيدافع عنهم ويحفظهم. وهاتان الجملتان انتفى في الأولى منهما المجادلة، وهي المدافعة بالفعل والنصرة بالقوة.
* (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) * الظاهر أنهما غير أن عمل السوء القبيح الذي يسوء غيره، كما فعل طعمة بقتادة واليهودي. وظلم النفس ما يختص به كالحلف الكاذب. وقيل: ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك، أو يظلم نفسه بالشرك انتهى. وقيل: السوء الذنب الصغير، وظلم النفس الذنب الكبير. وقال أبو عبد الله الرازي: وخص ما يبدي إلى الغير باسم السوء، لأن
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»