تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
والمشيد: المطول المرفوع يقال: شيد وأشاد البناء رفعه وطوله، ومنه أشاد الرجل ذكر الرجل إذا رفعه. الفقه: الفهم. يقال: فقهت الحديث إذا فهمته، وفقه الرجل صار فقيها.
* (فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحيواة الدنيا بالاخرة) * قيل: نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن أحد. ويشرون بمعنى يشترون. والمعنى: أخلصوا الإيمان بالله ورسوله، ثم جاهدوا في سبيل الله. وقيل: نزلت في المؤمنين بالجهاد من تخلف من ضعفة المؤمنين.
* (ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * ثم وعد من قاتل في سبيل الله بالأجر العظيم، سواء استشهد، أو غلب. واكتفى في الحالتين بالغاية، لأن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل أن يغلب ويغنم، فأشرف الحالتين ما بدء به من ذكر الاستشهاد في سبيل الله، ويليها أن يقتل أعداء الله، ودون ذلك الظفر بالغنيمة، ودون ذلك أن يغزو فلا يصيب ولا يصاب. ولفظ الجهاد في سبيل الله يشمل هذه الأحوال، والأجر العظيم فسر بالجنة. والذي يظهر أنه مزيد ثواب من الله تعالى مثل كونهم أحياء عند ربهم يرزقون، لأن الجنة موعود دخولها بالإيمان. وكان الذي فسره بالجنة ينظر إلى قوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * الآية. وقرأ الجمهور: فليقاتل بسكون لام الأمر. وقرأت فرقة: بكسرها على الأصل. وقرأ الجمهور: فيقتل مبنيا للمفعول. وقرأ محارب بن دثار: فيقتل على بناء الفعل للفاعل. وأدغم يغلب في الفاء أبو عمرو والكسائي وهشام وخلاد بخلاف عنه، وأظهرها باقي السبعة. وقرأ الجمهور: نؤتيه بالنون. وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف: يؤتيه بالياء.
* (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هاذه القرية) * هذا الاستفهام فيه حث وتحريض على الجهاد في سبيل الله، وعلى تخليص المستضعفين. والظاهر أن قوله: لا تقاتلون في موضع الحال، وجوزوا أن يكون التقدير: وما لكم في أن لا تقاتلوا، فلما حذف حرف الجر، وحذف أن، ارتفع الفعل، والمستضعفين هو مطعوف على اسم الله أي: وفي سبيل المستضعفين. وقال المبرد والزجاج: هو معطوف على سبيل الله أي: في سبيل الله، وفي خلاص المستضعفين. وقرأ ابن شهاب: في سبيل الله المستضعفين بغير واو عطف. فإما أن يخرج على إضمار حرف العطف، وإما على البدل من سبيل الله أي: في سبيل الله سبيل المستضعفين لأنه سبيل الله تعالى. وأجاز الزمخشري أن يكون: والمستضعفين منصوبا على الاختصاص يعني: واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه انتهى كلامه. ولا حاجة إلى تكلف نصبه على الاختصاص، إذ هو خلاف الظاهر.
ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال قريش وأذاهم، إذ كانوا لا يستطيعون خروجا، ولا تطيب لهم على اوذى إقامة. ومن المستضعفين: عبد الله بن عباس وأمه، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنجاة للمستضعفين من المؤمنين وسمى منهم: الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. وقوله: من الرجال والنساء والولدان تبيين للمستضعفين.
والظاهر أن الولدان المراد به الصبيان، وهو جمع وليد. قيل: وقد كون جمع ولد، كورل وورلان. ونبه على الولدان تسجيلا بإفراط ظلم من ظلمهم، وهم غير مكلفين ليتأذى بذلك آباؤهم، ولأنهم كانوا يشركون آباءهم في الدعاء طلبا لرحمة الله تعالى، وتخليصهم من أذى الكفار. وهم أقرب إلى الإجابة حيث لم تكن لهم ذنوب كما فعل قوم يونس، وكما هي السنة في خروج الصبيان في العيد، لأنه يطلق على العبد وليد، وعلى الأمة وليدة وغلب المذكر على المؤنث إذ درج المؤنث في الجمع
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»