الكلام. وكذا قال مكي: إنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم). فتحريف كلم التوراة بتغيير اللفظ، وهو الأقل لتحريفهم أسمر ربعة في صفته عليه السلام بآدم طوال مكانه، وتحريفهم الرجم بالحديد له، وبتغيير التأويل، وهو الأكثر قاله الطبري. وكانوا يتأولون التوراة بغير التأويل الذي تقتضيه معاني ألفاظها الأمور يختارونها ويتوصلون بها إلى موال سفلتهم، وأن التحريف في كلم القرآن أو كلم الرسول فلا يكون إلا في التأويل.
وقرئ: يحرفون الكلم بكسر الكاف وسكون اللام، جمع كلمة تخفيف كلمة. وقرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام، وجاء هنا عن مواضعه. وفي المائدة جاء: * (عن مواضعه) * وجاء * (من بعد مواضعه) *.
قال الزمخشري: أما عن مواضعه فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه. وأما من بعد مواضعه: فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قمن بان يكون فيها، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره، والمعنيان متقاربان انتهى. والذي يظهر أنهما سياقان، فحيث وصفوا بشدة التمرد والطغيان، وإظهار العداوة، واشترائهم الضلالة، ونقض الميثاق، جاء يحرفون الكلم عن مواضعه. ألا ترى إلى قوله: * (ويقولون سمعنا وعصينا) * وقوله: * (فيما * نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) * فكأنهم لم يتركوا الكلم من التحريف عن ما يراد بها، ولم تستقر في مواضعها، فيكون التحريف بعد استقرارها، بل بادروا إلى تحريفها بأول وهلة. وحيث وصفوا ببعض لين وترديد وتحكيم للرسول في بعض الأمر، جاء من بعد مواضعه. ألا ترى إلى قوله: * (يقولون إن أوتيتم هاذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) * وقوله بعد: * (فان * جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * فكأنهم لم يبادروا بالتحريف، بل عرض لهم التحريف بعد استقرار الكلم في مواضعها. وقد يقال: أنهما شيئان، لكنه حذف هنا. وفي أول المائدة: من بعد مواضعه، لأن قوله: عن مواضعه يدل على استقرار مواضع له، وحذف في ثاني المائدة عن مواضعه. لأن التحريف من بعد مواضعه يدل على أنه تحريف عن مواضعه، فالأصل يحرفون الكلم من بعد مواضعه. فحذف هنا البعدية، وهناك حذف عنها. كل ذلك توسع في العبارة، وكانت البداءة هنا بقوله: عن مواضعه، لأنه أخضر. وفيه تنصيص باللفظ على عن، وعلى المواضع، وإشارة إلى البعدية.
* (ويقولون سمعنا وعصينا) * أي: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، أو سمعناه جهرا، وعصيناه سرا قولان. والظاهر أنهم شافهوا بالجملتين النبي صلى الله عليه وسلم) مبالغة منهم في عتوهم في الكفر، وجريا على عادتهم مع الأنبياء. ألا ترى إلى قوله: * (خذوا ما ءاتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا) *.
* (واسمع غير مسمع) * هذا الكلام غير موجه، ويحتمل وجوها. والظاهر أنهم أرادوا به الوجه المكروه لسياق ما قبله من قوله: سمعنا وعصينا، فيكون معناه: اسمع لا سمعت. دعوا عليه بالموت أو بالصمم، وأرادوا ذلك في الباطن، وأرادوا في الظاهر تعظيمه بذلك. إذ يحتمل أن يكون المعنى: واسمع غير مأمور وغير صالح أن تسمع مأمورا بذلك. وقال الزمخشري: أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه ومعناه: غير مسمع جوابا يوافقك، فكأنك لم تسمع شيئا انتهى، وقاله ابن عباس. قال الزمخشري: أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه، فسمعك عنه ناب. ويجوز على هذا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع، أي: اسمع كلاما غير مسمع إياك، لأن أذنك لا تعيه نبوا عنه. ويحتمل المدح أي: اسمع غير مسمع مكروها من قولك: أسمع فلان فلانا إذا سبه. قال ابن عطية: ومن قال: غير مسمع غير مقبول منك، فإنه لا يساعده التصريف، وقد حكاه الطبري عن الحسن ومجاهد انتهى. ووجه أن التصريف لا يساعد عليه هو