الولدية.
وقد اختلف القول في سبب النزول، ومضمن أكثر تلك الأقاويل: أنهم كانوا لا يورثون البنات كما تقدم، فنزلت تبيينا لذلك ولغيره. وقيل: نزلت في جابر إذ مرض، فعاده الرسول فقال: كيف أصنع في مالي؟ وقيل: كان الإرث للولد والوصية للوالدين، فنسخ بهذه الآيات. قيل: معنى يوصيكم يأمركم. كقوله: * (ذالكم وصاكم به) * وعدل إلى لفظ الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام، وطلب حصوله سرعة، وقيل: يعهد إليكم كقوله: * (ما وصى به نوحا) * وقيل: يبين لكم في أولادكم مقادير ما أثبت لهم من الحق مطلقا بقوله * (للرجال * وألو * الارحام) * وقيل: يفرض لكم. وهذه أقوال متقاربة.
والخطاب في: يوصيكم، للمؤمنين، وفي أولادكم: هو على حذف مضاف. أي: في أولاد موتاكم، لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده ويفرض عليه ذلك، وإن كان المعنى بيوصيكم يبين جاز أن يخاطب الحي، ولا يحتاج إلى حذف مضاف. والأولاد يشمل الذكور والإناث، إلا أنه خص من هذا العموم من قام به مانع الإرث، فأما الرق فمانع بالإجماع، وأما الكفر فكذلك، إلا ما ذهب إليه معاذ من: أن المسلم يرث الكافر. وأما القتل فإن قتل أباه لم يرث، وكذا إذا قتل جده وأخاه أو عمه، لا يرث من الدية، هذا مذهب ابن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والزهري، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وسفيان وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد: لا يرث من المال، ولا من الدية شيئا. واستثنى النخعي من عموم أولادكم الأسير، فقال: لا يرث.
وقال الجمهور: إذا علمت حياته يرث، فإن جهلت فحكمه حكم المفقود. واستثنى من العموم الميراث من النبي صلى الله عليه وسلم)، وأما الجنين فإن خرج ميتا لم يرث، وإن خرج حيا فقال القاسم، وابن سيرين، وقتادة، والشعبي، والزهري، ومالك، والشافعي: يستهل صارخا، ولو عطس أو تحرك أو صاح أو رضع أو كان فيه نفس. وقال الأوزاعي وسفيان والشافعي: إذا عرفت حياته بشيء من هذه، وإن لم يستهل فحكمه حكم الحي في الإرث. وأما الجنين في بطن أمه فلا خلاف في أنه يرث، وإنما الخلاف في قسمة المال الذي له فيه سهم. وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما الخنثى فداخل في عموم أولادكم، ولا خلاف في توريثه، والخلاف فيما يرث وفيما يعرف به أنه خنثى، وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما المفقود فقال أبو حنيفة: لا يرث في حال فقده من أحد شيئا.
وقال الشافعي: يوقف نصيبه حتى يتحقق موته، وهو ظاهر قول مالك: وأما المجنون والمعتوه والسفيه فيرثون إجماعا، والولد حقيقة في ولد الصلب ويستعمل في ولد الابن، والظاهر أنه مجاز. إذ لو كان حقيقة بطريق الاشتراك أو التواطىء لشارك ولد الصلب مطلقا، والحكم أنه لا يرث إلا عند عدم ولد الصلب، أو عند وجود من لا يأخذ جميع الميراث منهم.
وهذا البحث جار في الأب والجد والأم والجدة، والأظهر أنه ليس على سبيل الحقيقة لاتفاق الصحابة على أن الجد ليس له حكم مذكور في القرآن، ولو كان اسم الأب يتناوله حقيقة لما صح هذا الاتفاق. ولو أوصى لولد فلان فعند الشافعي لا يدخل ولد الولد، وعند مالك يدخل، وعند أبي حنيفة يدخل إن لم يكن لفلان ولد صلب.
وللذكر: إما أن يقدر محذوف أي: للذكر منهم، أو تنوب الألف واللام عن الضمير على رأي من يرى ذلك التقدير لذكرهم. ومثل: صفة لمبتدأ محذوف تقديره حظ مثل.
قال الفراء: ولم يعمل يوصيكم في مثل إجراء له مجرى القبول في حكاية الجمل، فالجملة في موضع نصب بيوصيكم. وقال الكسائي: ارتفع مثل على حذف أن تقديره: أن للذكر. وبه قرأ ابن أبي عبلة وأريد بقوله: للذكر مثل حظ الأنثيين حالة اجتماع الذكر والأنثيين فله سهمان، كما أن لهما سهمين. وأما إذا انفرد الابن فيأخذ المال أو البنتان، فسيأتي حكم ذلك. ولم تتعر الآية للنص على هاتين المسألتين.
وقال أبو مسلم الأصبهاني: نصيب الذكر هنا هو الثلثان، فوجب أن يكون نصيب الأنثيين. وقال أبو بكر الرازي: إذا كان نصيبها مع الذكر الثلث، فلا أن يكون نصيبها مع أنثى الثلث أولى، لأن الذكر أقوى من الأنثى. وقيل: حظ الأنثيين أزيد من حظ الأنثى، وإلا لزم حظ