تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٣
الحسن، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر. وقال: كما أن الجد لا يحجبه إلا الأب، كذلك الجدة لا يحجبها إلا الأم. وقرأ الإخوان: فلامه هنا موضعين، وفي القصص * (فى أمها) * وفي الزخرف: في * (أم الكتاب) * بكسر الهمزة، لمناسبة الكسرة والياء. وكذا قرأ من * (بطون أمهاتكم) * في النحل والزمر والنجم، أو * (بيوت أمهاتكم) * في النور. وزاد حمزة: في هذه كسر الميم اتباعا لكسرة الهمزة وهذا في الدرج. فإذا ابتدأ بضم الهمزة، وهي قراءة الجماعة درجا وابتداء. وذكر سيبويه أن كسر الهمزة من أم بعد الياء، والكسر لغة. وذكر الكسائي والفراء: أنها لغة هوازن وهذيل.
* (فإن كان له إخوة فلامه السدس) *، وصار الأب يأخذ خمسة الأسداس. وذهب ابن عباس إلى أن الأخوة يأخذون ما حجبوا الأم عنه وهو السدس، ولا يأخذه الأب. وروي عنه: أن الأب يأخذه لا الأخوة، لقول الجماعة من العلماء. قال قتادة: وإنما أخذه الأب دونهم لأنه يمونهم ويلي نكاحهم والنفقة عليهم. وظاهر لفظ إخوة اختصاصه بالجمع المذكر، لأن إخوة جمع أخ. وقد ذهب إلى ذلك طائفة فقالوا: الأخوة تحجب الأم عن الثلث دون الأخوات، وعندنا يتناول الجمعين على سبيل التعليب. فإذن يصير المراد بقوله: أخوة، مطلق الأخوة، أي: أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورا أو إناثا، أو الصنفين. وظاهر لفظ أخوة، الجمع. وأن الذين يحطون الأم إلى السدس ثلاثة فصاعدا، وهو قول: ابن عباس: الأخوات عنده في حكم الواحد لا يحطان كما لا يحط، فالجمهور على أن الأخوين حكمهما في الحط حكم الثلاث فصاعدا.
ومنشأ الخلاف: هل الجمع أقله اثنان أو ثلاثة؟ وهي مسألة يبحث فيها في أصول الفقه، والبحث فيها في علم النحو أليق. وقال الزمخشري: الأخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية، والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية، وهو موضع الدلالة على الجمع المطلق، فدل بالأخوة عليه انتهى. ولا نسلم له دعوى أن الأخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة، بل تفيد معنى الجمعية التي بعد التثنية بغير كمية فيما بعد التثنية، فيحتاج في إثبات دعواه إلى دليل. وظاهر أخوة الإطلاق، فيتناول الأخوة من الأم فيحجبون كما قلنا قبل. وذهب الروافض: إلى أن الأخوة من الأم لا يحجبون الأم، لأنهم يدلون بها، فلا يجوز أن يحجبوها ويجعلوه لغيرها فيصيرون ضارين لها نافعين لغيرها. واستدل بهذه الآية على أن البنت تقلب حق الأم من الثلث إلى السدس بقوله: فإن كان له أخوة، لأنها إذا حرمت الثلث بالأخوة وانتقلت إلى السدس فلان تحرم بالبنت أولى.
* (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * المعنى: أن قسمة المال بين من ذكر إنما تكون
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»