تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٨٦
النصوص أن لو هنا التي تكون تعليقا في الماضي، وهي التي يعبر عنها سيبويه: بأنها حرف لما كان يقع لوقوع غيره. ويعبر غيره عنها بأنها حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره. وذهب صاحب التسهيل: إلى أن لو هنا شرطية بمعنى أن فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال، والتقدير: وليخش الذين إن تركوا من خلفهم. قال: ولو وقع بعد لو هذه مضارع لكان مستقبل المعنى كما يكون بعد أن قال الشاعر:
* لا يلفك الراجيك إلا مظهرا * خلق الكريم ولو تكون عديما * وكان قائل هذا توهم أنه لما أمروا بالخشية، والأمر مستقبل، ومتعلق الأمر هو موصول، لم يصلح أن تكون الصلة ماضية على تقدير دالة على العدم الذي ينافي امتثال الأمر. وحسن مكان لو لفظ أن فقال: إنها تعليق في المستقبل، وأنها بمعنى إن. وكأن الزمخشري عرض له هذا التوهم، فلذلك قال: معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا، فلم تدخل لو على مستقبل، بل أدخلت على شارفوا الذي هو ماض أسند للموصول حالة الأمر. وهذا الذي توهموه لا يلزم في الصلة إلا إن كانت الصلة ماضية في المعنى، واقعة بالفعل. إذ معنى: لو تركوا من خلفهم، أي ماتوا فتركوا من خلفهم، فلو كان كذلك للزم التأويل في لو أن تكون بمعنى: أن إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل من مات بالفعل. أما إذا كان ماضيا على تقدير يصح أن يقع صلة، وأن يكون العامل في الموصول الفعل المستقبل نحو قولك: ليزرنا الذي لو مات أمس بكيناه. وأصل لو أن تكون تعليقا في الماضي، ولا يذهب إلى أنه يكون في المستقبل بمعنى: إن، إلا إذ دل على ذلك قرينة كالبيت المتقدم. لأن جواب لو فيه محذوف مستقبل لاستقبال ما دل عليه وهو قوله: لا يلفك. وكذلك قوله:
* قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم * دون النساء ولو بانت بإطهار * لدخول ما بعدها في حيز إذا، وإذا للمستقبل. ولو قال قائل: لو قام زيد قام عمر، ولتبادر إلى الذهن أنه تعليق في الماضي دون المستقبل. ومن خلفهم متعلق بتركوا. وأجاز أبو البقاء أن يكون في موضع الحال من ذرية.
وقرأ الجمهور ضعافا جمع ضعيف، كظريف وظراف. وأمال فتحة العين حمزة، وجمعه على فعال قياس. وقرأ ابن محيصن: ضعفا بضمتين، وتنوين الفاء. وقرأت عائشة والسلمي والزهري وأبو حيوة وابن محيصن أيضا: ضعفاء بضم الضاد والمد، كظريف وظرفاء، وهو أيضا قياس. وقرئ ضعافى وضعافى بقالإمالة، نحو سكارى وسكارى. وأمال حمزة خافوا للكسرة التي تعرض له في نحو: خفت. وانظر إلى حسن ترتيب هذه الأوامر حيث بدأ أولا بالخشية التي محلها القلب وهي الاحتراز من الشيء بمقتضى العلم، وهي الحاملة على التقوى، ثم أمر بالتقوى ثانيا وهي متسببة عن الخشية، إذ هي جعل المرء نفسه في وقاية مما يخشاه. ثم أمر بالقول السديد، وهو ما يظهر من الفعل الناشئ عن التقوى الناشئة عن الخشية. ولا يراد تخصيص القول السديد فقط، بل المعنى على الفعل والقول السديدين. وإنما اقتصر على القول السديد لسهولة ذلك على الإنسان، كأنه قيل: أقل ما يسلك هو القول السديد. قال مجاهد: يقولون للذين يفرقون المال زد فلانا وأعط فلانا. وقيل: هو الأمر بإخراج الثلث فقط. وقيل: هو تلقين المحتضر الشهادة. وقيل: الصدق في الشهادة. وقيل: الموافق للحق. وقيل: للعدل. وقيل: للقصد. وكلها متقاربة.
والسداد: الاستواء في القول والفعل. وأصل السد إزالة الاختلال. والسديد يقال في معنى الفاعل، وفي معنى المفعول. ورجل
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»