تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٢
دون المبدل منه، كما مثلناه في قولك: أبواك كل واحد منهما يصنع كذا، إذا أعربنا كلا بدلا. وكما تقول: إن زيدا عينه حسنه، فلذلك ينبغي أن يكون إذا وقع البدل خبرا فلا يكون المبدل منه هو الخبر، واستغنى عن جعل المبدل منه خبرا بالبدل كما استغنى عن الاخبار عن اسم إن وهو المبدل منه بالاخبار عن البدل. ولو كان التركيب: ولأبويه السدسان لا وهم التنصيف أو الترجيح في المقدار بين الأبوين، فكان هذا التركيب القرآني في غاية النصية والفصاحة، وظاهر قوله: ولأبويه، أنهما اللذان ولدا الميت قريبا لا جداه، ولا من علا من الأجداد. وزعموا أن قوله: أولادكم، يتناول من سفل من الأبناء. قالوا: لأن الأبوين لفظ مثنى لا يحتمل العموم ولا الجمع، بخلاف قوله: في أولادكم. وفيما قالوه: نظروهما عندي سواء في الدلالة، إن نظر إلى حمل اللفظ على حقيقته فلا يتناول إلا الأبناء الذين ولدهم الأبوان قريبا، لا من سفل كالأبوين لا يتناول إلا من ولداه قريبا، لا من علا. أو إلى حمل اللفظ على مجازه، فيشترك اللفظان في ذلك، فينطلق الأبوان على من ولداه قريبا. ومن علا كما ينطلق الأولاد على من ولداهم قريبا. ومن سفل يبين حمله على الحقيقة في الموضعين أن ابن الابن لا يرث الابن، وأن الجدة لا يفرض لها الثلث بإجماع، فلم ينزل ابن الابن منزلة الابن مع وجوده، ولا الحدة منزلة الأم.
* (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) * قوله: فإن لم يكن له ولد قسيم لقوله: * (إن كان له ولد) * وورثه أبواه دليل عل أنهما انفردا بميراثه ليس معهما أحد من أهل السهام، لا ولد ولا غيره، فيكون قوله: وورثه أبواه حكما لهما بجميع المال. فإذا خلص للأم الثلث كان الثاني وهو الثلثان للأب، فذكر القسم الواحد يدل على الآخر كما تقول: هذا المال لزيد وعمرو، لزيد منه الثلث، فيعلم قطعا أن باقيه وهو الثلثان لعمرو. فلو كان معهما زوج كان للأم السدس وهو: الثلث بالإضافة إلى الأب. وقال ابن عباس وشريح: للأم الثلث من جميع المال مع الروح، والنصف للزوج، وما بقي للأب، فيكون معنى: وورثه أبواه منفردين أو مع غير ولد، وهذا مخالف لظاهر قوله: وورثه أبواه. إذ يدل على أنهما انفرد بالإرث، فيتقاسمان للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا شك أن الأب أقوى في الإرث من الأم، إذ يضعف نصيبه على نصيبها إذ انفرد بالإرث، ويرث بالفرض وبالتعصيب وبهما. وفي قول ابن عباس وشريح: يكون لها مع الزوج والأب مثل حظ الذكرين، فتصير أقوى من الأب، وتصير الأنثى لها مثلا حظ الذكر، ولا دليل على ذلك من نص ولا قياس.
وفي إقامة الجد مقام الأب خلاف. فمن قال: أنه أب وحجب به الإخوة جماعة منهم: أبو بكر رضي الله عنه، ولم يخالفه أحد من الصحابة في أيام حياته. وقال بمقالته بعد وفاته: أبي ومعاذ، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن الزبير عبد الله، وعائشة، وعطاء، وطاووس، والحسن، وقتادة، وأبو حنيفة، وإسحاق، وأبو ثور. وذهب علي، وزيد، وابن مسعود: إلى توريث الجد مع الأخوة، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأم أو للأب، إلا مع ذوي الفروض، فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئا في قول: زيد، وهو قول: مالك، والأوزاعي، والشافعي، ومحمد، وأبي يوسف. كان علي يشرك بين الجد والإخوة في السدس، ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفروض وغيرهم، وهو قول ابن أبي ليلى. وذهب الجمهور: إلى أن الجد يسقط بني الإخوة من الميراث، إلا ما روي عن الشعبي عن علي: أنه أجرى بني الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة.
وأما أم الأم فتسمى أما مجاز، لكن لا يفرض لها الثلث إجماعا، وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وعلى أن الأم تحجب أمها وأم الأب، وعلى أن الأب لا يحجب أم الأم. واختلفوا في توريث الجدة وابنتها. فروي عن عثمان وعلي وزيد: أنها لا ترث وابنتها حية، وبه قال: الأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وروي عن عثمان وعلي أيضا، وعمروابن مسعود وأبي موسى وجابر: أنها ترث معها. وقال به: شريك، وعبيد الله بن
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»