أولي القربى الذين يرثون، والمراد من اليتامى والمساكين الذين لا يرثون. فقوله: فارزقوهم راجع إلى أولي القربى. وقوله: لهم، راجع إلى اليتامى والمساكين. وما قيل من تفريق الضمير تحكم لا دليل عليه.
والمقول المعروف فسره هنا ابن جبير أن يقول لهم: هذا المال لقوم غيب أو ليتامى صغار، وليس لكم فيه حق. وقيل: الدعاء لهم بالرزق والغنى. وقيل: هو القول الدال على استقلال ما أرضخوهم به، وروي عن ابن جبير. وقيل: العدة الحسنة بأن يقال: هؤلاء أيتام صغار، فإذا بلغوا أمرناهم أن يعرفوا حقكم قاله، عطاء بن يسار، عن ابن جبير. وقيل: المعروف ما يؤنس به من دعاء وغيره. وظاهر الكلام أن الأصناف الثلاثة يجمع لهم بين الرزق والقول المعروف. وقيل: إما أن يعطوا وإما أن يقال لهم قول معروف.
* (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) * ظاهر هذه الجملة أنه أمر بخشية الله واتقائه. والقول السديد من ينظر في حال ذرية ضعاف لتنبيهه على ذلك بكونه هو يترك ذرية ضعافا، فيدخل في ذلك ولاة الأيتام، وبه فسر ابن عباس. والذي ينهى المحتضر عن الوصية لذوي القربى، ومن يستحق ويحسن له الإمساك على قرابته وأولاده. وبه فسر مقسم وحضرمي، والذي يأمر المحتضر بالوصية لفلان وفلان ويذكره بأن يقدم لنفسه، وقصده إيذاء ورثته بذلك. وبه فسر ابن عباس أيضا وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد. وقالت فرقة: المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس، وإن لم يكونوا في حجرهم. وأن يسددو لهم القول كما يحبون أن يفعل بأولادهم. قال الزمخشري: ويجوز أن يتصل بما قبله، وأن يكون آمرا للورثة بالشفقة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين، وأن يتصور أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين، هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخشية؟ انتهى كلامه. وهو ممكن أن يكون مرادا. قال القاضي: الأليق بما تقدم وما تأخر أن يكون من الآيات الواردة في الأيتام، فجعل تعالى آخر ما دعاهم به إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها، ولا شك أن هذا من أقوى البواعث في هذا المقصود على الاحتياط فيه.
وقرأ الزهري والحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر: بكسر لام الأمر في: وليخش، وفي: فليتقوا، وليقولوا. وقرأ الجمهور: بالإسكان. ومفعول وليخش محذوف، ويحتمل أن يكون اسم الجلالة أي الله، ويحتمل أن يكون هذا الحذف على طريق الأعمال، أعمل فليتقوا. وحذف معمول الأول، إذ هو منصوب يجوز أن يحذف اقتصارا، فكان حذفه اختصارا أجوز، ويصير نحو قولك: أكرمت فبررت زيدا. وصلة الذين الجملة من لو وجوابها. قال ابن عطية: تقديره لو تركوا لخانوا. ويجوز حذف اللام في جواب لو تقول: لو قام زيد لقام عمرو، ولو قام زيد قام عمرو، انتهى كلامه. وقال الزمخشري: معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم، خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم كما قال القائل:
* لقد زاد الحياة إلي حبا * بناتي إنهن من الضعاف * * أحاذر أن يرثن البؤس بعدي * وأن يشربن رنقا بعد صاف * انتهى كلامه. وقال غيرهما: لو تركوا، لو يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، وخافوا جواب لو انتهى.
فظاهر هذه