وتأنس إليه ويقتضيه الشرع، فإن كان المراد بالسفهاء المحجورين، فمن المعروف وعدهم الوعد الحسن بأنكم إذا رشدتم سلمنا إليكم أموالكم قاله: ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، ومقاتل، وابن جريج. وقال عطاء: إذا ربحت أعطيتك، وإذا غنمت في غزاتي، جعلت لك حظا. وإن كان المراد النساء والبنين الأصاغر والسفهاء الأجانب، فتدعو لهم: بارك الله فيكم، وحاطكم، وشبهه قاله: ابن زيد. وقال الضحاك: الرد الجميل. ولما أمرالله تعالى أولا بإيتاء اليتامى بقوله: * (وءاتوا اليتامى أموالهم) * وأمر ثانيا بإيتاء أموال النساء بقوله: * (وءاتوا النساء صدقاتهن) * وكان ذلك عاما من غير تخصيص بين في هذه الآية. إن ذلك الإيتاء إنما هو لغير السفيه، وخص ذلك العموم، وقيد الإطلاق الذي في الأمر بالإيتاء.
* (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * قيل: توفي رفاعة وترك ابنه ثابتا صغيرا فسأل: إن ابن أخي في حجري، فما يحل لي من ماله، ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت. وقيل: توفي أوس بن ثابت، ويقال: أوس بن سويد عن زوجته أم كجه وثلاث بنات وابني عم سويد. وقيل: قتادة وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا المرأة ولا البنات شيئا. وقيل: المانع ارثهن هو عم بنيها واسمه: ثعلبة. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا البنات ولا الابن الصغير الذكر، فشكتهما أم كجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فدعاهما، فقال: لا يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكى عدوا فقال: (انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله) فنزلت.
وابتلاء اليتامى اختبارهم في عقولهم قاله: ابن عباس والسدي، ومقاتل، وسفيان. أو في عقولهم ودينهم وحفظهم لأموالهم وحسن تصرفهم فيها. ذكره: الثعلبي. وكيفية اختبار الصغير أن يدفع إليه نزر يسيرمن المال يتصرف فيه، والوصي يراعي حاله فيه لئلا يتلفه. واختبار الصغيرة أن يرد إليها أمر البيت والنظر في الاستغزال دفعا وأجرة واستيفاء. واختلاف كل منهما بحال ما يلق به وبما يعانيه من الأشغال والصنائع، فإذا أنس منه الرشد بعد البلوغ والاختبار دفع إليه ماله، وأشهد عليه هذا ظاهر الآية، وهو يعقب الدفع. والإشهاد الإيناس المشروط. وقال ابن سيرين: لا يدفع إليه بعد الإيناس والاختبار المذكورين حتى تمضي عليه سنة وتداولة الفصول الأربع، ولم تتعرض الآية لسن البلوغ، ولا بماذا يكون. وتكلم فيها هنا بعض المفسرين. والكلام في البلوغ مذكور في كتب الفقه. وظاهر الآية أنه إن لم يؤنس منه رشد بقي محجورا عليه دائما، ولا يدفع إليه المال، وبه قال الجمهور. وقال النخعي وأبو حنيفة: ينتظر به خمس وعشرون سنة، ويدفع إليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس. وظاهر الآية يدل على استبداد الوصي بالدفع والاستقلال به. وقالت طائفة: يفتقر إلى أن يدفعه إلى السلطان ويثبت عنده رشده، أو يكون ممن يأمنه الحاكم. وظاهر عموم اليتامى اندراج البنات في هذا الحكم، فيكون حكمهن حكم البنين في ذلك. فقيل: يعتبر رشدها، وإن لم تتزوج بالبلوغ. وقيل: المدة بعد الدخول خمسة أعوام. وقيل: سنة. وقيل: سبعة في ذاب الأب، وعام واحد في اليتيمة التي لا وصي لها.
وحتى هنا غاية للابتلاء، ودخلت على الشرط وهو: إذا، وجوابه: فإن آنستم، وجوابه وجواب إن آنستم: فادفعوا. وإيناس الرشد مترتب على بلوغ النكاح، فيلزم أن يكون بعده. وحتى إذا دخلت على الشرط لا تكون عاملة، بل هي التي تقع بعدها الجمل كقوله