حيث المعنى. وجماع القول في هنيئا: أنها حال قائمة مقام الفاعل الناصب لها. فإذا قيل: إن فلانا أصاب خيرا فقلت هنيئا له، ذلك فالأصل ثبت له ذلك هنيئا فحذف ثبت، وأقيم هنيئا مقامه. واختلفوا إذ ذاك فيما يرتفع به ذلك. فذهب السيرافي إلى أنه مرفوع بذلك الفعل المختزل الذي هو ثبت، وهنيئا حال من ذلك، وفي هنيئا ضمير يعود على ذلك. وإذا قلت: هنيئا ولم تقل له ذلك، بل اقتصرت على قولك: هنيئا، ففيه ضمير مستتر يعود على ذي الحال، وهو ضمير الفاعل الذي استتر في ثبت المحذوفة. وذهب الفارسي إلى أن ذلك إذا قلت: هنيئا له، ذلك مرفوع بهنيئا القائم مقام الفعل المحذوف، لأنه صار عوضا منه، فعمل عمله. كما أنك إذا قلت: زيد في الدار، رفع المجرور الضمير الذي كان مرفوعا بمستقر، لأنه عوض منه. ولا يكون في هنيئا ضمير، لأنه قد رفع الظاهر الذي هو اسم الإشارة. وإذا قلت: هنيئا ففيه ضمير فاعل بها، وهو الضمير فاعلا لثبت، ويكون هنيئا قد قام مقام الفعل المختزل مفرعا من الفعل. وإذا قلت: هنيئا مريئا، فاختلفوا في نصب مريء. فذهب بعضهم: إلى أنه صفة لقولك هنيئا، وممن ذهب إلى ذلك الحوفي. وذهب الفارسي: إلى أن انتصابه انتصاب قولك هنيئا، فالتقدير عنده: ثبت مريئا، ولا يجوز عنده أن يكون صفة لهنيئا، من جهة أن هنيئا لما كان عوضا من الفعل صار حكمه حكم الفعل الذي ناب منابه، والفعل لا يوصف، فكذلك لا يوصف هو. وقد ألم الزمخشري بشيء مما قاله النحاة في هنيئا لكنه حرفه فقال بعد أن قدم أن انتصابه على أنه وصف للمصدر، أو حال من الضمير في فكلوه أي: كلوه وهو هنيء مريء. قال: وقد يوقف على فكلوه، ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدر، كأنه قيل: هنئا مرئا انتهى. وتحريفه أنه جعلهما أقيما مقام المصدر، فانتصابهما على هذا انتصاب المصدر، ولذلك قال: كأنه قيل هنأ مرأ، فصار كقولك: سقيا ورعيا، أي: هناءة ومراءة. والنحاة يجعلون انتصاب هنيئا على الحال، وانتصاب مريئا على ما ذكرناه من الخلاف. إما على الحال، وإما على الوصف. ويدل على فساد ما حرفه الزمخشري وصحة قول النحاة ارتفاع الأسماء الظاهرة بعد هنيئا مريئا، ولو كانا ينتصبان انتصاب المصادر. والمراد بها: الدعاء. أجاز ذلك فيها تقول: سقيا لك ورعيا، ولا يجوز سقيا الله لك، ولا رعيا الله لك، وإن كان ذلك جائزا في فعله فتقول: سقاك الله ورعاك. والدليل على جواز رفع الأسماء الظاهرة بعدها قول الشاعر:
* هنيئا مريئا غيرداء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت * فما: مرفوع بما تقدم من هنيء أو مريء. أو بثبت المحذوفة على اختلاف السيرافي وأبي علي على طريق الأعمال. وجاز الأعمال في هذه المسألة وإن لم يكن بينهما رابط عطف، لكون مريئا لا يستعمل إلا تابعا لهنيئا، فصارا كأنهما مرتبطان لذلك. ولو كان ذلك في الفعل لم يجز لو قلت: قام خرج زيد، لم يصح أن يكون من الأعمال إلا على نية حرف العطف. وذهب بعضهم: إلى أن مريئا يستعمل وحده غير تابع لهنيئا، ولا يحفظ ذلك من كلام العرب، وهنيئا مريئا اسما فاعل للمبالغة.
وأجاز أبو البقاء أن يكونا مصدرين جاءآ على وزن فعيل، كالصهيل والهدير، وليسا من باب ما يطرد فيه فعيل في المصدر.
وظاهر الآية يدل على أن المرأة إذا وهبت لزوجها شيئا من صداقها طيبة بها نفسها غير مضطرة إلى ذلك بإلحاح أو شكاسة خلق، أو سوء معاشرة، فيجوز له أن يأخذ ذلك منها ويتملكه وينتفع به. ولم يوقت هذا التبرع بوقت، ولا استثناء فيه رجوع. وذهب الأوزاعي: إلى أنه لا يجوز تبرعها ما لم تلد، أو تقم في بيت زوجها سنة، فلو رجعت بعد الهبة فقال شريح وعبد الملك بن مروان: لها أن ترجع. وروى مثله عن عمر. كتب عمر إلى قضاته: أن النساء