عبيد، وأبو ثور. وروي عن أحمد القولان السابقان.
أو الأسارى يفدون وتفك رقابهم من الأسر؛ وقيل: هؤلاء الأصناف الثلاثة، وهو الظاهر. فإن كان هذا الإيتاء هو الزكاة فاختلفوا، فقيل: لا يجوز إلا في إعانة المكاتبين، وقيل: يجوز في ذلك، وفيمن يشتريه فيعتقه. وإن كان غير الزكاة فيجوز الأمران، وجاء هذا الترتيب فيمن يؤتي المال تقديما، ألاولى فألاولى، لأن الفقير القريب أولى بالصدقة من غيره للجمع فيها بين الصلة والصدقة، ولأن القرابة من أوكد الوجوه في صرف المال إليها، ولذلك يستحق بها الإرث، فلذلك قدم ثم أتبع باليتامى لأنه منقطع الحيلة من كل الوجوه لصغره، ثم أتبع بالمساكين لأن الحاجة قد تشتد بهم، ثم بابن السبيل لأنه قد تشتد حاجته في الرجوع إلى أهله، ثم بالسائلين وفي الرقاب لأن حاجتهما دون حاجة من تقدم ذكره.
قال الراغب: اختير هذا الترتيب لما كان أولى من يتفقد الإنسان لمعروفه أقاربه، فكان تقديمه أولى، ثم عقبه باليتامى، والناس في المكاسب ثلاثة: معيل غير معول، ومعول معيل، ومعول غير معيل. واليتيم: معول غير معيل، فمواساته بعد الأقارب أولى. ثم ذكر المساكين الذين لا مال لهم حاضرا ولا غائبا، ثم ذكر ابن السبيل الذي يكون له مال غائب، ثم ذكر السائلين الذين منهم صادق وكاذب، ثم ذكر الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم فكل واحد ممن أخر ذكره أقل فقرا ممن قدم ذكره عليه. انتهى كلامه.
وأجمع المسلمون على أنه إذا نزل بالمسلمين حاجة وضرورة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها.
وقال مالك: يجب على الناس فك أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، واختلفوا في اليتيم: هل يعطى من صدقة التطوع بمجرد اليتم على جهة الصلة وإن كان غنيا؟ أو لا يعطي حتى يكون فقيرا؟ قولان لأهل العلم.
* (ليس البر أن تولوا) *: تقدم الكلام على نظير هاتين الجملتين، فإن كان أريد بالإيتاء السابق الزكاة كان ذكر هذا توكيدا، وإلا فقد تقدمت الأقاويل فيه إذا لم يرد به الزكاة، هذا هو الظاهر، لأن مصرف الزكاة فيه أشياء لم تذكر في مصرف هذا الإيتاء، وقد تقدم القول في تقديم الصلاة على الزكاة، وهو. أن الصلاة أفضل العبادات البدنية، وتكرر في كل يوم وليلة، وتجب على كل عاقل بالشروط المذكورة، فلذلك قدمت. وعطف قوله: * (ليس البر أن تولوا) * على صلة من، وصلة من، آمن وآتى، وتقدمت صلة من التي هي: آمن، لأن الإيمان أفضل الأشياء المتعبد بها، وهو رأس الأعمال الدينية، وهو المطلوب الأول. وثنى بإيتاء المال من ذكر فيه، لأن ذلك من آثر الأشياء عند العرب، ومن مناقبها الجلية، ولهم في ذلك أخبار وأشعار كثيرة، يفتخرون بذلك حتى هم يحسنون للقرابة وإن كانوا مسئين لهم، ويحتملون منهم ما لا يحتملون من غير القرابة، ألا ترى إلى قول طرفة العبدي:
* فمالى أراني وابن عمي مالكا * متى أدن منه ينأ عني ويبعد ويكفي من ذلك في الإحسان إلى ذوي القربى قصيدة المقنع الكندي التي أولها:
يعاتبني في الدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا * ومنها:
* لهم جل مالي أن تتابع لي غنى * وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا