الخبر عن أولئك، فأخبر عن أولئك الأول: بالذين صدقوا، وهو مفصول بالفعل الماضي لتحقق اتصافهم به، وأن ذلك قد وقع منهم وثبت واستقر، واخبر عن أولئك الثاني: بموصول صلته اسم الفاعل ليدل على الثبوت، وأن ذلك وصف لهم لا يتجدد، بل صار سجية لهم ووصفا لازما، ولكونه أيضا وقع فاصلة آية، لأنه لو كان فعلا ماضيا لما كان يقع فاصلة.
* (المتقون يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) *: روى البخاري عن ابن عباس قال: كان في إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية. فقال الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة والشعبي: نزلت في قوم من العرب أعزة أقوياء لا يقتلون بالعبد منهم إلا سيدا، ولا بالمرأة إلا رجلا.
وقال السدي، وأبو مالك: نزلت في فريقين أحدهما مسلم، والآخر كافر معاهد، كان بينهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قتال، فقتل من كلا الفريقين جماعة من رجال ونساء وعبيد، فنزلت، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) دية الرجل قصاصا بدية الرجل، ودية المرأة قصاصا بدية المرأة، ودية العبد قصاصا بدية العبد. ثم أصلح بينهما.
وقيل: نزلت في حيين من العرب اقتلوا قبل الإسلام، وكان بينهما قتلى وجراحات لم يأخذ بعضهم من بعض. قال ابن جبير: هما الأوس والخزرج. وقال مقاتل بن حيان: هما قريظة والنضير، وكان لأحدهما طول على الأخرى في الكثرة والشرف، وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور، وأقسموا ليقتلن بالعبد الحر، وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك، وكذلك كانوا يعاملونهم في الجاهلية، فرفعوا أمرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فنزلت، وأمرهم بالمساواة فرضوا، وفي ذلك قال قائلهم:
* هم قتلوا فيكم مظنة واحد * ثمانية ثم استمروا فأربعوا * وروي أن بعض غني قتل شأس بن زهير، فجمع عليهم أبوه زهير بن خزيمة فقالوا له، وقال له بعض من يذب عنهم: سل في قتل شاس، فقال: إحدى ثلاث لا يرضيني غيرهن، فقالوا: ما هن؟ فقال: تحيون شاسا، أو تملؤون داري من نجوم السماء، أو تدفعون لي غنيا بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت عوضا.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها إنه لما حلل ما حلل قبل، وحرم ما حرم، ثم اتبع بذكر من أخذ مالا من غير وجهه، وأنه ما يأكل في بطنه إلا النار، واقتضى ذلك انتظام جميع المحرمات من الأموال، ثم أعقب ذلك بذكر من اتصف بالبر، وأثنى عليهم بالصفات الحميدة التي انطووا عليها، أخذ يذكر تحريم الدماء، ويستدعي حفظها وصونها، فنبه بمشروعية القصاص على تحريمها، ونبه على جواز أخذ مال بسببها، وأنه ليس من المال الذي يؤخذ من غير وجهه، وكان تقديم تبيين ما أحل الله وما حرم من المأكول على تبيين مشروعية القصاص لعموم البلوى بالمأكول، لأن به قوام البنية، وحفظ صورة الإنسان.
ثم ذكر حكم متلف تلك الصورة، لأن من كان مؤمنا يندر منه وقوع القتل، فهو بالنسبة لمن اتصف بالأوصاف السابقة بعيد منه وقوع ذلك، وكان ذكر تقديم ما تعم به البلوى أعم، ونبه أيضا على أنه، وإن عرض مثل هذا الأمر الفظيع لمن اتصف بالبر، فليس ذلك مخرجا له عن البر، ولا عن الإيمان، ولذلك ناداهم بوصف الإيمان فقال: * (المتقون يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) *.
وأصل الكتابة: الخط الذي