فيمن يجوز عليه النظر وفيمن لا يجوز عليه.
قلت أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية، لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان، وإن لم يكن ثم نظر، ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردا لمعنى الإحسان مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر. انتهى كلامه. وقال غيره: ولا ينظر أي: لا يرحم قال:
* فقلت انظري يا أحسن الناس كلهم * لذي غلة صديان قد شفه الوجد * * (ولا يزكيهم) * ولا يثني عليهم أو لا ينمي أعمالهم، فهي تنمية لهم، أو لا يطهرهم من الذنوب. أقوال ثلاثة، وتقدم شرحه في البقرة.
* (ولهم عذاب أليم) * تقدم شرحه أيضا.
* (وإن منهم لفريقا) * أي: من اليهود، قاله الحسن: أو: من أهل الكتابين، قاله ابن عباس. وعن ابن عباس أيضا: هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة. وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم.
* (يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب) * أي: يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف، قاله الزمخشري وقال ابن عطية: يحرفون ويتحيلون لتبديل المعاني من جهة اشتباه الألفاظ واشتراكها وتشعب التأويلات فيها، ومثال ذلك قولهم: راعنا، وأسمع غير مسمع، ونحو ذلك وليس التبديل المحض. انتهى.
والذي يظهر أن اللي وقع بالكتاب أي: بألفاظه لا بمعانيه وحدها كما يزعم بعض الناس، بل التحريف والتبديل وقع في الألفاظ، والمعاني تبع للألفاظ، ومن طالع التوراة علم يقينا أن التبديل في الألفاظ والمعاني، لأنها تضمنت أشياء يجزم العاقل أنها ليست من عند الله، ولا أن ذلك يقع في كتاب إلهي من كثرة التناقض في الإخبار والأعداد ونسبة أشياء إلى الله تعالى من الأكل والمصارعة وغير ذلك، ونسبة أشياء إلى الأنبياء من الكذب والسكر من الخمر والزنا ببناتهم. وغير ذلك من القبائح التي ينزه العاقل نفسه عن أن يتصف بشيء منها، فضلا عن منصب النبوة.
وقد صنف الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن خطاب الباجي، رحمه الله تعالى، كتابا في (السؤالات على ألفاظ التوراة ومعانيه) ومن طالع ذلك الكتاب رأى فيه عجائب وغرائب، وجزم بالتبديل لألفاظ التوراة ومعانيها، هذا مع خلوها من ذكر: الآخرة، والبعث، والحشر، والنشر، والعذاب والنعيم الأخرويين، والتبشير برسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأين هذا من قوله تعالى * (الذين يتبعون الرسول النبى الامى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم) * وقوله تعالى وقد ذكر رسوله وصحابته. * (ذلك مثلهم فى التوراة) *.
وقد نص تعالى في القرآن على ما يقتضي إخفاءهم لكثير من التوراة، قال تعالى: * (قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) * وقال تعالى * (يصنعون يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) * فدلت هاتان الآيتان على أن الذي أخفوه من الكتاب كثير، ودل بمفهوم الصفة أن الذي أبدوه من الكتاب قليل.
وقرأ الجمهور: يلوون، مضارع: لوى وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وأبو حاتم عن نافع: يلوون بالتشديد، مضارع: لوى، مشددا. ونسبها الزمخشري لأهل المدينة، والتضعيف للمبالغة والتكتير في الفعل لا للتعدية وقرأ حميد: يلون، بضم اللام، ونسبها الزمخشري إلى أنها رواية عن مجاهد، وابن كثير، ووجهت على أن الأصل: يلوون، ثم أبدلت الواو همزة، ثم نقلت حركتها إلى الساكن قبلها، وحذفت هي.
والكتاب: هنا التوراة، والمخاطب في: