فإذا هم خنازير. ففشا ذلك في بني إسرائيل، فهموا به، فهربت به أمه إلى أرض مصر. فلما بلغ اثنتي عشرة سنة أوحى الله إليها: أن انطلقي إلى الشام، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة جاءه الوحي على رأس الثلاثين، فكانت نبوته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه. وكأن أول أنبياء بني إسرائيل: يوسف، وقيل: موسى، وآخرهم عيسى.
والظاهر أن قوله: * (أنى قد جئتكم بآية) * إلى قوله * (مستقيم) * متعلق بقوله * (ورسولا إلى بنى إسراءيل) * ومعمول له، فيكون ذلك مندرجا تحت القول السابق. والخطاب لمريم بقوله: قال كذلك الله، فتكون مريم قد بشرت بأشياء مما يفعلها الله لولدها عيسى: من تعليمه ما ذكر، ومن جعله رسولا ناطقا بما يكون منه إذا أرسل: من مجيئه بالآيات، وإظهار الخوارق على يديه، وغير ذلك مما ذكر إلى قوله: مستقيم. ويكون بعد قوله: مستقيم.
وقيل: قوله: فلما أحس، محذوف يدل عليه وتضطرء إلى تقديره، المعنى، تقديره: فجاء عيسى بني إسرائيل ورسولا، فقال لهم ما تقدم ذكره، وأتى بالخوارق التي قالها، فكفروا به وتمالؤوا على قتله وإذايته، فلما أحس عيسى منهم الكفر.
وقيل: يحتمل أن يكون الكلام تم عند قوله * (ورسولا إلى بنى إسراءيل) * ولا يكون * (أنى قد جئتكم) * متعلقا بما قبله، ولا داخلا تحت القول والخطاب لمريم، ويكون المحذوف هنا: لا بعد قوله: مستقيم، والتقدير: فجاء عيسى كما بشر الله رسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم.
وقرأ الجمهور: بأنه، على الإفراد، وكذلك في * (وجئتكم بأية من ربكم) * وفي مصحف عبد الله: بآيات، على الجمع في الموضعين. ويجوز أن يكون: من ربكم، في موضع الصفة، لأنه يتعلق بمحذوف، ويجوز أن يتعلق: بجئتكم، أي: جئتكم من ربكم بآية.
* (أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) * قرأ الجمهور: أني أخلق، بفتح الهمزة على أن يكون بدلا من: آية، فيكون في موضع جر، أو بدلا من قوله: أني قد جئتكم، فيكون في موضع نصب أو جر على الخلاف، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي، أي: الآية أني أخلق، فيكون في موضع رفع. وقرأ نافع بالكسر على الاستئناف، أو على إضمار القول، أو على التفسير للآية. كما فسر المثل في قوله: * (كمثل ءادم) * بقوله: * (خلقه من تراب) * ومعنى: أخلق: أقدر وأهيء، والخلق يكون بمعنى الإنشاء وإبراز العين من العدم الصرف إلى الوجود. وهذا لا يكون إلا لله تعالى. ويكون بمعنى: التقدير والتصوير، ولذلك يسمون صانع الأديم ونحوه: الخالق، لأنه يقدر، وأصله في الإجرام، وقد نقلوه إلى المعاني قال تعالى * (وتخلقون إفكا) * ومما جاء الخلق فيه بمعنى التقدير قوله تعالى: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * أي المقدرين. وقال الشاعر:
* ولأنت تتفري ما خلقت * وبعض القوم يخلق ثم لا يفري واللام في: لكم، معناها التعليل، و: من الطين، تقييد بأنه لا يوجد من العدم الصرف، بل ذكر المادة التي يشكل منها صورة.
وقرأ الجمهور: كهيئة، على وزن: جيئة، وقرأ الزهري: كهية، بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث، و: الكاف، من: كهيئة، اسم على مذهب أبي الحسن، فهي مفعولة: بأخلق، وعلى قول الجمهور: يكون، صفة لمفعول محذوف تقديره: هيئة مثل هيئة، ويكون: هيئة، مصدرا في معنى المفعول، أي: مثالا مهيأ مثل.
وقرأ الجمهور: الطير، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: كهيئة الطائر، والمراد به الجنس: فأنفخ فيه الضمير في: فيه، يعود على: الكاف، أو على