أعمى مضموم العينين.
قيل: وقد كان عيسى يبرئ بدعائه، والمسح بيده، كل علة. ولكن لا يقوم الحجة على بني إسرائيل في معنى النبوة إلا بالإبراء من العلل التي يعجز عن إبرائها الأطباء، حتى يكون فعله ذلك خارقا للعادات. والإبراء من العشي والعمش ليس بخارق، وأما العمى فالأبلغ الإبراء من عمى الممسوح العين.
روي أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده، وخص بالذكر الكمه والبرص لأنهما داءان معضلان لا يقدر على الإبراء منهما، إلا الله تعالى، وكان الغالب على زمان عيسى الطب، فأراهم الله المعجزة في جنس علمهم، كما أرى قوم موسى، إذ كان الغالب عليهم السحر، المعجزة بالعصا واليد البيضاء، وكما أرى العرب، إذ كان الغالب عليهم البلاغة، المعجزة بالقرآن.
روي أن جالينوس كان في زمان عيسى، وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام ليلقاه، فمات في طريقه.
* (وأحى الموتى بإذن الله) * نقل أئمة التفسير أنه أحيا أربعة: عاذر، وكان صديقا له، بعد ثلاثة أيام. فقام من قبره يقطر ودكه، وبقي إلى أن ولد له. و: ابن العجوز، وهو على سريره، فنزل عن أعناق الرجال وحمل سريره وبقي إلى أن ولد له، و: بنت العاشر، متعث بولدها بعد ما حييت، وسألوه أن يحيى سام بن نوح ليخبرهم عن حال السفينة، فخرج من قبره فقال: أقد قامت الساعة؟ وقد شاب نصف رأسه، وكان شابا ابن خمسمائة، فقال: شيبني هول يوم القيامة.
وروي أنه في إحيائه الموتى كان يضرب بعصاه الميت، أو القبر، أو الجمجمة، فيحيي الإنسان ويكلمه ويعيش. وقيل: تموت سريعا.
وروي عن الزهري أنه قال: بلغني أن عيسى خرج هو ومن معه من حوارييه حتى بلغ الأندلس، وذكر قصة فيها طول، مضمونها: أنه أحيا بها ميتا، وسألوه فإذا هو من قوم عاد. ووردت قصص في إحياء خلق كثير على يد عيسى، وذكروا أشياء مما كان يدعو بها إذا أحيا، الله أعلم بصحتها.
* (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم) * قال السدي، وابن جبير، ومجاهد، وعطاء، وابن إسحاق: كان عيسى من لدن طفوليته، وهو في الكتاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم، وبما يؤكل من الطعام، وما يدخر إلى أن نبىء، ويقول لمن سأله: أكلت البارحة كذا، وادخرت. وقيل: كان ذلك بعد النبوة لما أحيا لهم الموتى، طلبوا منه آية أخرى، وقالوا: أخبرنا بما نأكل وما ندخر للغد، فأخبرهم. وقال قتادة: كان ذلك في نزول المائدة، عهد إليهم أن يأكلوا منها ولا يخبؤوا ولا يدخروا، فخالفوا، فكان عيسى يخبرهم بما أكلوه وما ادخروا في بيوتهم، وعوقبوا على ذلك.
وأتى بهذه الخوارق الأربع مصدرة بالمضارع الدال على التجدد، والحالة الدائمة: وبدأ بالخلق إذ هو أعظم في الإعجاز، وثنى بإبراء الأكمه والأبرص، وأتى ثالثا بإحياء الموتى، وهو خارق شاركه فيه غيره بإذن الله تعالى، وكرر: بإذن الله، دفعا لمن يتوهم فيه الآلوهية، وكان، بإذن الله، عقب قوله: أني أخلق، وعطف عليه: وأبرىء الأكمه والأبرص، ولم يذكر: بإذن الله، اكتفاء به في الخارق الأعظم، وعقب قوله: وأحيى الموتى، بقوله: بإذن الله، وعطف عليه: وأنبئكم، ولم يذكر فيه، بإذن الله، لأن إحياء الأموات أعظم من الإخبار بالمغيبات، فاكتفى به في الخارق الأعظم أيضا، فكل واحد من