تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٨٣
ابن عطية: من يقول آمنا رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ من ومعناها وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحد، لو قلت: ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز، انتهى كلامه، وما ذكر من أنه لا يجع من لفظ جمع إلى توحد خطأ، بل نص النحويون على جواز الجملتين، لكن البدء بالحمل على اللفظ ثم على المعنى أولى من الابتداء بالحمل على المعنى، ثم يرجع إلى الحمل على اللفظ، ومما رجع فيه إلى الإفراد بعد الجمع قول الشاعر:
* لست ممن يكع أو يستكينو * ن إذا كافحته خيل الأعادي * وفي بعض هذه المسائل تفصيل، كما أشرنا إليه. ويقول: أفرد فيه الضمير مذكرا على لفظ من وآمنا: جملة هي المقولة، فهي في موضع المفعول وأتى بلفظ الجمع رعيا للمعنى، إذ لو راعى لفظ من قال آمنت. واقتصروا من متعلق الإيمان على الله واليوم الآخر حيدة منهم عن أن يعترفوا بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبما أنزل إليه وإيهاما أنهم من طائفة المؤمنين، وإن كان هؤلاء، كما زعم الزمخشري، يهودا. فإيمانهم بالله ليس بإيمان، كقولهم: * (عزير ابن الله) * وباليوم الآخر، كذلك لأنهم يعتقدونه على خلاف صفته، وهم لو قالوا ذلك على أصل عقيدتهم لكان كفرا، فكيف إذا قالوا ذلك على طريقة النفاق خديعة للمسلمين واستهزاء بهم؟ وفي تكرير الباء دليل على مقصود كل ما دخلت عليه الباء بالإيمان. واليوم الآخر يحتمل أن يراد به: الوقت المحدود من البعث إلى استقرار كل من المؤمنين والكافرين فيما أعد لهم، ويحتمل أن يراد به: الأبد الدائم الذي لا ينقطع. وسمي آخرا لتأخره، إما عن الأوقات المحدودة باعتبار الاحتمال الأول أو عن الأوقات المحدودة باعتبار الاحتمال الثاني. والباء في بمؤمنين زائدة والموضع نصب لأن ما حجازية وأكثر لسان الحجاز جر الخبر بالباء، وجاء القرآن على الأكثر، وجاء النصب في القرآن في قوله: * (ما هاذا بشرا) * وما هن أمهاتهم. وأما في أشعار العرب فزعموا أنه لم يحفظ منه أيضا إلا قول الشاعر:
* وأنا النذير بحرة مسودة * تصل الجيوش إليكم أقوادها * * أبناؤها متكفون أباهم * حنقوا الصدور وما هم أولادها * ولا تختص زيادة الباء باللغة الحجازية، بل تزاد في لغة تميم خلافا لمن منع ذلك، وإنما ادعينا أن قوله: بمؤمنين في موضع نصب لأن القرآن نزل بلغة الحجاز، لأنه حين حذفت الباء من الخبر ظهر النصب فيه، ولها أحكام كثيرة في باب معقود في النحو. وإنما زيدت الباء في الخبر للتأكيد، ولأجل التأكيد في مبالغة نفي إيمانهم، جاءت الجملة المنفية اسمية مصدرة بهم، وتسلط النفي على اسم الفاعل الذي ليس مقيدا بزمان ليشمل النفي جميع الأزمان، إذ لو جاء اللفظ منسحبا على اللفظ المحكي الذي هو: آمنا، لكان: وما آمنوا، فكان يكون نفيا للإيمان الماضي، والمقصود أنهم
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»