تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٨٠
إلى أنه من نسي، وأصله نسي ثم قلب فصار نيس، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فقيل: ناس، ثم دخلت الألف واللام. والكلام على هذا الأقوال مذكور في علم التصريف. من: موصولة، وشرطية، واستفهامية، ونكرة موصوفة، وتقع على ذي العلم، وتقع أيضا على غير ذي العلم إذا عومل معاملة العالم، أو اختلط به فيما وقعت عليه أو فيما فصل بها، ولا تقع على آحاد ما لا يعقل مطلقا خلافا لزاعم ذلك. وأكثر لسان العرب أنها لا تكون نكرة موصوفة إلا في موضع يختص بالنكرة، كقول سويد بن أبي كاهل:
* رب من أنضجت غيظا صدره * لو تمنى لي موتا لم يطع * ويقل استعمالها في موضع لا يختص بالنكرة، نحو قول الشاعر:
* فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا * وزعم الكسائي أن العرب لا تستعمل من نكرة موصوفة إلا بشرط وقوعها في موضع لا يقع فيه إلا النكرة، وزعم هو وأبو الحسن الهنائي أنها تكون زائدة، وقال الجمهور: لا تزاد. وتقع من على العاقل المعدوم الذي لم يسبقه وجود، تتوهمه، موجودا خلافا لبشر المريسي، وفاقا للقراء، وصححه أصحابنا. فأما قول العرب: أصبحت كمن لم يخلق فنزيد: كمن قد مات، وأكثر المعربين للقرآن متى صلح عندهم تقدير ما أو من بشيء جوزوا فيها أن تكون نكرة موصوفة، وإثبات كون ما نكرة موصوفة يحتاج إلى دليل، ولا دليل قاطع في قولهم: مررت بما معجب لك لإمكان الزيادة، فإن اطرد ذلك في الرفع والنصب من كلام العرب، كان سرني ما معجب لك وأحببت ما معجبا لك، كان في ذلك تقوية لما دعى النحويون من ذلك، ولو سمع لأمكنت الزيادة أيضا لأنهم زادوا ما بين الفعل ومرفوعه والفعل ومنصوبه. الزيادة أمر ثابت لما، فإذا أمكن ذلك فيها فينبغي أن يحمل على ذلك ولا يثبت لها معنى إلا بدليل قاطع. وأمعنت الكلام في هذه المسألة بالنسبة إلى ما يقع في هذا الكتاب من علم النحو لما ينبني على ذلك في فهم القرآن.
القول: هو اللفظ الموضوع لمعنى وينطلق على اللفظ الدال على النسبة الإسنادية، وهو الكلام وعلى الكلام النفساني، ويقولون في أنفسهم: * (لولا يعذبنا الله) *، وتراكيبه الست تدل على معنى الخفة والسرعة، وهو متعد لمفعول واحد، فإن وقعت جملة محكية كانت في موضع المفعول، وللقول فصل معقود في النحو. الخداع: قيل إظهار غير ما في النفس، وأصله الإخفاء، ومنه سمي البيت المفرد في المنزل مخدعا لتستر أهل صاحب المنزل فيه، ومنه الأخدعان: وهما العرقان المستبطنان في العنق، وسمي الدهر خادعا لما يخفي من غوائله، وقيل الخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، من قولهم: ضب خادع وخدع إذا أمر الحارث، وهو صائد الضب، يده على باب حجره
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»