* ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا * جعل انتصاره جهلا، ويؤيد هذا المنزع هنا أنه قد يجيء من واحد: كعاقبت اللص، وطارقت النعل. ويحتمل أن تكون المخادعة على بابها من اثنين، فهم خادعون أنفسهم حيث منوها الأباطيل، وأنفسهم خادعتهم حيث منتهم أيضا ذلك، فكأنها مجاورة بين اثنين، وقال الشاعر:
* تذكر من أني ومن أين شربه * يؤامر نفسيه لذي البهجة الإبل * وأنشد ابن الأعرابي:
* لم تدر ما ولست قائلها * عمرك ما عشت آخر الأبد * * ولم تؤامر نفسيك ممتريا * فيها وفي أختها ولم تلد * وقال:
* يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة * أيستوبع الذوبان أم لا يطورها * وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي:
* وكنت كذات الضي لم تدر إذ بغت * تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني * ففي هذه الأبيات قد جعل للشخص نفسين على معنى الخاطرين، ولها جنسين، أو يكون فاعل بمعنى فعل، فيكون موافقا لقراءة: وما يخدعون. وتقول العرب: خادعت الرجل، أعملت التحيل عليه فخدعته، أي تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد، خدعا، بكسر الخاء في المصدر وخديعة، حكاه أبو زيد. فالمعنى: وما ينفذ السوء إلا على أنفسهم، والمراد بالأنفس هنا: ذواتهم. فالفاعل هو المفعول، وقد ادعى بعضهم أن هذا من المقلوب وأن المعنى: وما يخادعهم إلا أنفسهم قال: لأن الإنسان لا يخدع نفسه، بل نفسه هي التي تخدعه وتسول له وتأمره بالسوء. وأورد أشياء مما قلبته العرب، وللنحويين في القلب مذهبان: أحدهما: أنه يجوز في الكلام والشعر اتساعا واتكالا على فهم المعنى.