وأما القانون الطبي، فإن الحكماء وصفو القلب على ما اقتضاه علم التشريح، ثم قالوا: إذا حصلت فيه مادة غليظة، فإن تملكت منه ومن غلافه أو من أحدهما فلا يبقى مع ذلك حياة وعاجلت المنية صاحبه، وربما تأخرت تأخيرا يسيرا، وإن لم تتمكن منه المادة المنصبة إليه ولا من غلافه، أخرت الحياة مدة يسيرة؟ وقالوا: لا سبيل إلى بقاء الحياة مع مرض القلب، وعلى هذا الذي تقرر لا تكون قلوبهم مريضة حقيقة. وقد تلخص في القرآن من المعاني السببية التي تحصل في القلب سبعة وعشرون مرضا، وهي: الرين، والزيع، والطبع، والصرف، والضيق، والحرج، والختم، والإقفال، والإشراب، والرعب، والقساوة، والإصرار، وعدم التطهير، والنفور، والاشمئزاز، والإنكار، والشكوك، والعمى، والإبعاد بصيغة اللعن، والتأبى، والحمية، والبغضاء، والغفلة، والغمزة، واللهو، والارتياب، والنفاق. وظاهر آيات القرآن تدل على أن هذه الأمراض معان تحصل في القلب فتغلب عليه، وللقلب أمراض غير هذه من الغل والحقد والحسد، ذكرها الله تعالى مضافة إلى جملة الكفار. والزيادة تجاوز المقدار المعلوم، وعلم الله محيط بما أضمروه ومن سوء الاعتقاد والبغض والمخادعة، فهو معلوم عنده، كما قال تعالى: * (وكل شىء عنده بمقدار) *، وفي كل وقت يقذف في قلوبهم من ذلك القدر المعلوم شيئا معلوم المقدار عنده، ثم يقذف بعد ذلك شيئا آخر، فيصير الثاني زيادة على الأول، إذا لو لم يكن الأول معلوم المقدار لما تحققت الزيادة، وعلى هذا المعنى يحمل: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) *. وزيادة المرض إما من حيث أن ظلمات كفرهم تحل في قلوبهم شيئا فشيئا، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: * (ظلمات بعضها فوق بعض) *، أو من حيث أن المرض حصل في قلوبهم بطريق الحسد أو الهم، بما يجدد الله سبحانه لدينه من علو الكلمة ولرسوله وللمؤمنين من النصر ونفاذ الأمر، أو لما يحصل في قلوبهم من الرعب، وإسناد الزيادة إلى الله تعالى إسناد حقيقي بخلاف الإسناد في قوله تعالى: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم * أيكم زادته هاذه إيمانا) *.
وقالت المعتزلة: لا يجوز أن تكون زيادة المرض من جنس المزيد عليه، إذ المزيد عليه هو الكفر، فتأولوا ذلك على أن يحمل المرض على الغم لأنهم كانوا يغتمون بعلو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أو على منع زيادة الألطاف، أو على ألم القلب، أو على فتور النية في المحاربة لأنهم كانت أولا قلوبهم قوية على ذلك، أو على أن كفرهم كان يزداد بسبب ازدياد التكليف من الله تعالى. وهذه التأويلات كلها إنما تكون إذا كان قوله: * (فزادهم الله مرضا) * خبرا، وإما إذا كان دعاء فلا، بل يحتمل أن يكون الدعاء حقيقة فيكون دعاء بوقوع زيادة المرض، أو مجازا فلا تقصد به الإجابة لكون المدعو به واقعا، بل المراد به السب واللعن والنقص، كقوله تعالى: * (قاتلهم الله أنى يؤفكون) *، * (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) *، وكقوله: لعن الله إبليس وأخزاه ومعلوم أن ذلك قد وقع، وأنه قد باء بخزي ولعن لا مزيد عليه لأنه لا انتهاء له، وتنكير مرض من قوله: * (فى قلوبهم مرض) * لا يدل على أن جميع أجناس المرض في قلوبهم، كما زعم بعض المفسرين، لأن دلالة النكرة على ما وضعت له إنما هي دلالة على طريقة البدل، لأنها دلالة تنتظم كل فرد فرد على جهة العموم، ولم يحتج إلى جمع مرض لأن تعداد المحال يدل على تعداد الحال عقلا، فاكتفى بالمفرد عن الجمع، وتعدية الزيادة إليهم لا إلى القلوب، إذ قال تعالى: * (فزادهم) *، ولم يقل: فزادها، يحتمل وجهين