إلى الشيء أولا، ويكون افتعل منه، إما لموافقة المجرد، فيكون معناه ومعنى سبق واحدا، أو لموافقة تفاعل، فيكون استبق وتسابق بمعنى واحد. الخيرات: جمع خيرة، ويحتمل أن يكون بناء على فعلة، أو بناء على فيعلة، فحذف منه، كالميتة واللينة. وقد تقدم القول في هذا الحذف، قالوا: رجل خير، وامرأة خيرة، كما قالوا: رجل شر، وامرأة شرة، ولا يكونان إذ ذاك أفعل التفضيل. الجوع: القحط، وأما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها: الغرث. يقال: غرث يغرث غرثا، فهو غرث وغرثان، قال:
* مغرثة زرقا كأن عيونها * من الذمر والإيحاء نوار عضرس * وقد استعمل المحدثون في الغرث: الجوع اتساعا.
* (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها) *: سبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري، عن البراء بن عازب قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * الآية. فقال: السفهاء من الناس، وهم اليهود، ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فقال الله تعالى: * (قل لله المشرق والمغرب) * الآية. ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اليهود والنصارى قالوا: إن إبراهيم، ومن ذكر معه، كانوا يهودا ونصارى. ذكروا ذلك طعنا في الإسلام، لأن النسخ عند اليهود باطل، فقالوا: الانتقال عن قبلتنا باطل وسفه، فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله: * (قل لله المشرق والمغرب) * الآية، فبين ما كان هداية، وما كان سفها. وسيقول، ظاهر في الاستقبال، وأنه إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم)، أنه يصدر منهم هذا القول في المستقبل، وذلك قبل أن يؤمروا باستقبال الكعبة، وتكون هذه الآية متقدمة في النزول على الآية المتضمنة الأمر باستقبال الكعبة، فتكون من باب الإخبار بالشيء قبل وقوعه، ليكون ذلك معجزا، إذ هو إخبار بالغيب. ولتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء، وتستعد له، فيكون أقل تأثيرا منه إذا فاجأ، ولم يتقدم به علم، وليكون الجواب مستعدا لمنكر ذلك، وهو قوله: * (قل لله المشرق والمغرب) *. وإلى هذا القول ذهب الزمخشري وغيره. وذهب قوم إلى أنها متقدمة في التلاوة، متأخرة في النزول، وأنه نزل قوله: * (قد نرى تقلب وجهك) * الآية، ثم نزل: * (سيقول السفهاء من الناس) *. نص على ذلك ابن عباس وغيره. ويدل على هذا ويصححه حديث البراء المتقدم، الذي خرجه البخاري. وإذا كان كذلك، فمعنى قوله: سيقول، أنهم مستمرون على هذا القول، وإن كانوا قد قالوه، فحكمة الاستقبال أنهم، كما صدر عنهم هذا القول في الماضي، فهم أيضا يقولونه في المستقبل. وليس عندنا من وضع المستقبل موضع الماضي. وإن معنى سيقول: قال، كما زعم بعضهم، لأن ذلك لا يتأتى مع السين لبعد المجاز فيه. ولو كان عاريا من السين، لقرب ذلك وكان يكون حكاية حال ماضية. والسفهاء: اليهود، قاله البراء بن عازب، ومجاهد، وابن جبير. وأهل مكة قالوا: اشتاق محمد إلى مولده، وعن قريب يرجع إلى دينكم، رواه أبو صالح، عن ابن عباس، واختاره الزجاج. أو المنافقون قالوا: ذلك استهزاء بالمسلمين، ذكره السدي، عن ابن مسعود. وقد جرى تسمية المنافقين بالسفهاء في قوله: * (ألا إنهم هم السفهاء) *، أو الطوائف الثلاث الذين تقدم ذكرهم من الناس. قال ابن عطية وغيره: وخص بقوله من الناس، لأن السفه أصله الخفة، يوصف به الجماد. قالوا: ثوب سفيه، أي خفيف النسج والهلهلة، ورمح سفيه: أي خفيف سريع النفوذ. ويوصف به الحيوانات غير الناس، فلو اقتصر، لاحتمل الناس وغيرهم، لأن القول ينسب إلى الناس حقيقة، وإلى