تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٩٠
طريق التوبيخ والتقريع عن مجادلتهم في الله ولا يحسن النزاع فيه، لأن الله هو ربنا كلنا، فالذي يقتضيه العقل أنه لا يجادل فيه. ثم ذكر أنه رب الجميع، وأشار إلى أنه يجازى الجميع بقوله: * (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) *. ثم ذكر ما انفردوا به من الإخلاص له، لأن اليهود والنصارى غير مخلصين له في العبادة. ثم استفهمهم أيضا على جهة التوبيخ والتقريع، عن مقالتهم في إبراهيم ومن ذكر معه، من أنهم كانوا يهودا ونصارى، وأن دأبهم المجادلة بغير حق، فتارة في الله وتارة في أنبياء الله. ثم بين أنهم لا علم عندهم بل الله هو أعلم به. ثم بين أن تلك المقالة لم تكن عن دليل ولا شبهة، بل مجرد عناد، وأنهم كاتمون للحق، دافعون له، فقال ما معناه: لا أحد أظلم من كاتم شهادة استودعه الله إياها، والمعنى: لا أحد أظلم منكم في المجادلة في الله، وفي نسبة اليهودية والنصرانية لإبراهيم ومن ذكر معه، إذ عندهم الشهادة من الله بأحوالهم. ثم هددهم بأن الله تعالى لا يغفل عما يعملون.
ثم ختم ذلك بأن تلك أمة قد خلت منفردة بعملها، كما أنتم كذلك، وأنكم غير مسؤولين عما عملوه، وجاءت هذه الجمل من ابتداء ذكر إبراهيم إلى انتهاء الكلام فيه، على ختلاف معانيه وتعدد مبانيه، كأنها جملة واحدة، في حسن مساقها ونظم اتساقها، مرتقية في الفصاحة إلى ذروة الإحسان، مفصحة أن بلاغتها خارجة عن طبع الإنسان، مذكرة قوله تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هاذا القرءان) *. جعلنا الله ممن هدى إلى عمل به وفهم، ووفى من تدبره أوفر سهم، ووقى في تفكره من خطأ ووهم.
ض 2 (* (سيقول السفهآء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشآء إلى صراط مستقيم * وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التى كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم * قد نرى تقلب وجهك في السمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون * ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك ومآ أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوآءهم من بعد ما جآءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شىء قدير * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره
(٥٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 ... » »»