وكتبت بالقلم، أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم، وذلك فرار من زيادة الباء، لأنه ليس من أماكن زيادة الياء قياسا. والمؤمن به على هذه الأوجه الثلاثة محذوف، التقدير: فإن آمنوا بالله، ويكون الضمير في به عائدا على ما عاد عليه قوله: * (ونحن له) *، وهو الله تعالى. وقيل: يعود على ما، وتكون إذ ذاك موصولة. وأما مثل، فقيل: زائدة، والتقدير: فإن آمنوا بما آمنتم به، قالوا: كهي في قوله: * (ليس كمثله شىء) *، أي ليس كهو شيء، وكقوله:
* فصيروا مثل كعصف مأكول وكقوله:
* * يا عاذلي دعني من عذلكا * مثلي لا يقبل من مثلكما * وقيل: ليست بزائدة. والمثلية هنا متعلقة بالاعتقاد، أي فإن اعتقدوا مثل اعتقادكم، أو متعلقة بالكتاب، أي فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به. والمعنى: فإن آمنوا بكتابكم المماثل لكتابهم، أي فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل، وعلى هذا التأويل، لا تكون الباء زائدة، بل هي مثلها في قوله: آمنت بالكتاب. وقالت فرقة: هذا من مجاز الكلام، يقول: هذا أمر لا يفعله مثلك، أي لا تفعله أنت. والمعنى: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، وهذا يؤول إلى إلغاء مثل، وزيادتها من حيث المعنى. وقال الزمخشري: بمثل ما آمنتم به من باب التبكيت، لأن دين الحق واحد، لا مثل له، وهو دين الإسلام. * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) *، فلا يوجد إذا دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقا، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له، كانوا مهتدين، فقيل: فإن آمنوا بكلمة الشك، على سبيل العرض، والتقدير: أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم، مساويا له في الصحة والسداد.
* (فقد اهتدوا) *: وفيه أن دينهم الذي هم عليه، وكل دين سواه مغاير له غير مماثل، لأنه حق وهدى، وما سواه باطل وضلال، ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه: هذا هو الرأي الصواب، فإن كان عندك رأي أصوب منه، فاعمل به، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك، ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه. انتهى كلامه، وهو حسن. وجواب الشرط قوله: * (فقد اهتدوا) *، وليس الجواب محذوفا، كهو في قوله: * (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل) * لمعنى تكذيب الرسل قطعا، واستقبال الهداية هنا، لأنها معلقة على مستقبل، ولم تكن واقعة قبل.
* (وإن تولوا) *: أي إن أعرضوا عن الدخول في الإيمان. * (فإنما هم فى شقاق) *: أكد الجملة الواقعة شرطا بأن، وتأكد معنى الخبر بحيث صار ظرفا لهم، وهم مظروفون له. فالشقاق مستول عليهم من جميع جوانبهم، ومحيط بهم إحاطة البيت بمن فيه. وهذه مبالغة في الشقاق الحاصل لهم بالتولي، وهذا كقوله: * (إنا لنراك في ضلال مبين) *، * (إنا لنراك في سفاهة) *، هو أبلغ من قولك: زيد مشاق لعمرو، وزيد ضال، وبكر سفيه. والشقاق هنا: الخلاف، قاله ابن عباس، أو العداوة، أو الفراق، أو المنازعة، قاله زيد بن أسلم، أو المجادلة، أو الضلال والاختلاف، أو خلع الطاعة، قاله الكسائي؛ أو البعاد والفراق إلى يوم القيامة. وهذه تفاسير للشقاق متقاربة المعنى. وقد ذكرنا مدار ذلك في المفردات على عنيين: إما من المشقة، وإما أن يصير في شق وصاحبه في شق، أي يقع بينهم خلاف. قال القاضي: ولا يكاد يقال في العداوة على وجه الحق شقاق، لأن الشقاق في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه، وهذا وعيد لهم. انتهى.
* (فسيكفيكهم الله) *: لما ذكر أن توليهم يترتب عليه الشقاق، وهو العداوة العظيمة، أخبر تعالى أن تلك العداوة لا يصلون