على موسى وعيسى، لأنهما متبوعا اليهود والنصارى بزعمهم، والكلام معهم، ولم يكرر الموصول في عيسى، لأن عيسى إنما جاء مصدقا لما في التوراة، لم ينسخ منها إلا نزرا يسيرا. فالذي أوتيه عيسى هو ما أوتيه موسى، وإن كان قد خالف في نزر يسير. وجاء: * (وما أنزل إلينا) *، وجاء: * (وما أوتى موسى وعيسى) *، تنويعا في الكلام وتصرفا في ألفاظه، وإن كان المعنى واحدا، هذ لو كان كله بلفظ الإيتاء، أو بلفظ الإنزال، لما كان فيه حلاوة التنوع في الألفاظ. ألا تراهم لم يستحسنوا قول أبي الطيب:
* ونهب نفوس أهل النهب أولى * بأهل النهب من نهب القماش * ولما ذكر في الإنزال أولا خاصا، عطف عليه جمعا. كذلك لما ذكر في الإيتاء خاصا، عطف عليه جمعا. ولما أظهر الموصول في الإنزال في العطف، أظهره في الإيتاء فقال: * (وما أوتي النبيون من ربهم) *، وهو تعميم بعد تخصيص. وظاهر قوله: * (وما أوتي) * يقتضي التعميم في الكتب والشرائع. وفي حديث لأبي سعيد الخدري، قلت: يا رسول الله، كم أنزل الله؟ قال: (مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسين صحيفة، وأنزل على أخنوخ ثلاثين صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، ثم أنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان. وأما عدد الأنبياء، فروي عن ابن عباس ووهب بن منبه: أنهم مائة ألف نبي، ومائة وعشرون ألف نبي، كلهم من بني إسرائيل، إلا عشرين ألف نبي. وعدد الرسل: ثلاثمائة وثلاثة عشرة، كلهم من ولد يعقوب، إلا عشرين رسولا، ذكر منهم في القرآن خمسة وعشرين، نص على أسمائهم وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وأليسع، وإلياس، ويونس، وأيوب، وداود، وسليمان، وزكريا، وعزير، ويحيى، وعيسى، ومحمد / صلى الله عليه وسلم). وفي رواية عن ابن عباس: أن الأنبياء كلهم من بني إسرائيل، إلا عشرة: نوحا، وهودا، وشعيبا، وصالحا، ولوطا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، ومحمدا / صلى الله عليه وسلم) أجمعين. وابتدىء أولا بالإيمان بالله، لأن ذلك أصل الشرائع، وقدم * (أنزل الله * إلينا) *، وإن كان متأخرا في الإنزال عن ما بعده، لأنه أولى بالذكر، لأن الناس، بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم)، مدعوون إلى الإيمان بما أنزل إليه جملة وتفصيلا. وقدم * (ما أنزل إلى * إبراهيم) * على * (ما أوتى موسى * وعيسى) *، للتقدم في الزمان، أو لأن المنزل على موسى، ومن ذكر معه، هو المنزل إلى إبراهيم، إذ هم داخلون تحت شريعته. * (وما أوتى موسى) *: ظاهره العطف على ما قبله من المجرورات المتعلقة بالإيمان، وجوزوا أن يكون: * (وما أوتى موسى وعيسى) * في موضع رفع بالابتداء، وما أوتي الثانية عطف على ما أوتي، فيكون في موضع رفع. والخبر في قوله * (من ربهم) *، أو لا نفرق، أو يكون: * (وما أوتى موسى وعيسى) * معطوفا على المجرور قبله، * (وما أوتي النبيون) * رفع على الابتداء، * (ومن * ربهم) * الخبر، أو لا نفرق هو الخبر. والظاهر أن من ربهم في موضع نصب، ومن لابتداء الغاية، فتتعلق بما أوتي الثانية، أو بما أوتي الأولى، وتكون الثانية توكيدا. ألا ترى إلى سقوطها في آل عمران في قوله: * (وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم) *؟ ويجوز أن يكون في موضع حال من الضمير العائد على الموصول، فتتعلق بمحذوف، أي وما أوتيه النبيون كائنا من ربهم..
* (لا نفرق بين أحد منهم) *: ظاهره الاستئناف. والمعنى: أنا نؤمن بالجميع، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، كما فعلت اليهود والنصارى. فإن اليهود آمنوا بالأنبياء كلهم، وكفروا بمحمد وعيسى، صلوات الله على الجميع. والنصارى آمنوا بالأنبياء، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم)