تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٨١
. وقيل: معناه لا نقول إنهم يتفرقون في أصول الديانات. وقيل: معناه لانشق عصاهم، كما يقال شق عصا المسلمين، إذا فارق جماعتهم. وأحد هنا، قيل: هو المستعمل في النفي، فأصوله: الهمزة والحاء والدال، وهو للعموم، فلذلك لم يفتقر بين إلى معطوف عليه، إذ هو اسم عام تحته أفراد، فيصح دخول بين عليه، كما تدخل على المجموع فتقول: المال بين الزيدين، ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه. وقيل: أحد هنا بمعنى: واحد، والهمزة بدل من الواو، إذ أصله: وحد، وحذف المعطوف لفهم السامع، والتقدير: بين أحد منهم وبين نظيره، فاختصر، أو بين أحد منهم والآخر، ويكون نظير قول الشاعر:
* فما كان بين الخير لو جاء سالما * أبو حجر إلا ليال قلائل * يريد: بين الخير وبيني، فحذف لدلالة لمعنى عليه، إذ قد علم أن بين لا بد أن تدخل بين شيئين، كما حذف المعطوف في قوله: * (سرابيل تقيكم الحر) *. ومعلوم أن ما وقي الحر وقي البرد، فحذف والبرد لفهم المعنى. ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه. وذكر الوجهين غير الزمخشري وابن عطية، والوجه الأول أرجح، لأنه لا حذف فيه.
* (ونحن له مسلمون) *: هذا كله مندرج تحت قوله: * (قولوا) *. ولما ذكر أولا الإيمان، وهو التصديق، وهو متعلق بالقلب، ختم بذكرالإسلام، وهو الانقياد الناشئ عن الإيمان الظاهر عن الجوارح. فجمع بين الإيمان والإسلام، ليجتمع الأصل والناشىء عن الأصل. وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم) الإيمان والإسلام حين سئل عنهما، وذلك في حديث جبريل عليه السلام. وقد فسروا قوله: * (مسلمون) * بأقوال متقاربة في المعنى، فقيل: خاضعون، وقيل: مطيعون، وقيل: مذعنون للعبودية، وقيل: مذعنون لأمره ونهيه عقلا وفعلا، وقيل: داخلون في حكم الإسلام، وقيل: منقادون، وقيل: مخلصون. وله متعلق بمسلمون، وتأخر عنه العامل لأجل الفواصل، أو تقدم له للاعتناء بالعائد على الله تعالى لما نزل قوله: * (قولوا ءامنا بالله) * الآية، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم) على اليهود والنصارى وقال: (الله أمرني بهذا). فلما سمعوا بذكر عيسى أنكروا وكفروا. وقالت النصارى: إن عيسى ليس بمنزلة سائر الأنبياء، ولكنه ابن الله تعالى، فأنزل الله: * (فإن ءامنوا) * الآية. والضمير في آمنوا عائد على من عاد عليه في قوله: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) *. ويجوز أن يكون الخطاب خاصا، والمراد به العموم، ويجوز أن يكون عائدا على كل كافر، فيفسره المعنى.
وقرأ الجمهور: * (بمثل ما ءامنتم به) *. وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس: بما آمنتم به. وقرأ أبي: بالذي آمنتم به، وقال ابن عباس: ليس لله مثل. وهذا يدل على إقرار الباء على حالها في آمنت بالله، وإطلاق على ما على الله تعالى. كما ذهب إليه بعضهم في قوله: * (والسماء وما بناها) *، يريد ومن بناها على قوله. وقراءة أبي ظاهرة، ويشمل جميع ما آمن به المؤمنون. وأما قراءة الجمهور، فخرجت الباء على لزيادة، والتقدير: إيمانا مثل إيمانكم، كما زيدت في قوله: * (وهزى إليك بجذع النخلة) *.
وسود المحاجر لا يقرأن بالسور * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *، وتكون ما مصدرية. وقيل: ليست بزائدة، وهي بمعنى على، أي فإن آمنوا على مثل ما آمنتم به، وكون الباء بمعنى على، قد قيل به، وممن قال به ابن مالك، قال ذلك في قوله تعالى: * (من إن تأمنه بقنطار) *، أي على قنطار. وقيل: هي للاستعانة، كقولك: عملت بالقدوم،
(٥٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 ... » »»