تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٧٥
* (نعبد) *، فيكون أحد شقي الجواب. وأجاز الزمخشري أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة، أي: ومن حالنا أنا نحن له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون. والذي ذكره النحويون أن جملة الاعتراض هي الجملة التي تفيد تقوية بين جزأي موصول وصلة، نحو قوله:
* ماذا ولا عتب في المقدور رمت * إما تخطيك بالنجح أم خسر وتضليل * وقال:
* ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا * والحق يدفع ترهات الباطل * أو بين جزأي إسناد، نحو قوله:
* وقد أدركتني والحوادث جمة * أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل * أو بين فعل شرط وجزائه، أو بين قسم وجوابه، أو بين منعوت ونعته، أو ما أشبه ذلك مما بينهما تلازم ما. وهذه الجملة التي هي قوله: * (ونحن له مسلمون) * ليست من هذا الباب، لأن قبلها كلاما مستقلا، وبعدها كلام مستقل، وهو قوله: * (تلك أمة قد خلت) *. لا يقال: إن بين المشار إليه وبين الإخبار عنه تلازم يصح به أن تكون الجملة معترضة، لأن ما قبلها من كلام بني يعقوب، حكاه الله عنهم، وما بعدها من كلام الله تعالى، أخبر عنهم بما أخبر تعالى. والجملة الاعتراضية الواقعة بين متلازمين لا تكون إلا من الناطق بالمتلازمين، يؤكد بها ويقوي ما تضمن كلامه. فتبين بهذا كله أن قوله: * (ونحن له مسلمون) * ليس جملة اعتراضية. وقال ابن عطية: * (ونحن له مسلمون) * ابتداء وخبر، أي: كذلك كنا ونحن نكون. ويحتمل أن يكون في موضع الحال. والعامل نعبد والتأويل الأول أمدح. انتهى كلامه. ويظهر منه أنه جعل الجملة معطوفة على جملة محذوفة، وهي قوله: كذلك كنا، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار، لأنه يصح عطفها على نعبد إلهك، كما ذكرناه وقررناه قبل. ومتى أمكن حمل الكلام على غير إضمار، مع صحة المعنى، كان أولى من حمله الإضمار.
وفي المنتخب ما ملخصه تمسك بهذه الآية المقلدة، وقالوا: إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد، ولم ينكره هو عليهم، فدل على أن التقليد كاف، واستدل بها التعليمية، قالوا: لا طريق لمعرفة الله تعالى إلا بتعليم الرسول والإمام، فإنهم لم يقولوا: نعبد الإله الذي دل عليه العقل، قالوا: لا نعبد إلا الذي أنت تعبده وآباؤك تعبده، وهذا يدل على أن طرية المعرفة التعلم. وما ذهبوا إليه لا دليل في الآية عليه، لأن الآية لم تتضمن إلا الإقرار بعبادة الإله. والإقرار بالعبادة لله لا تدل على أن ذلك ناشىء عن تقليد، ولا تعليم، ولا أنه أيضا ناشىء عن استدلال بالعقل، فبطل تمسكهم بالآية. وإنما لم تتعرض الآية للاستدلال العقلي، لأنها لم تجيء في معرض ذلك، لأنه إنما سألهم عما يعبدونه من بعد موته، فأحالوه على معبوده ومعبود آبائه، وهو الله تعالى، وكان ذلك أخصر في القول من شرح صفاته تعالى من الوحدانية والعلم والقدرة وغير ذلك من صفاته، وأقرب إلى سكون ننفس يعقوب، فكأنهم قالوا:
(٥٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 ... » »»