أيضا من الفائدة تذكارهم بتعداد نعم الله عليهم ونقمه منهم، ليزدجر الأخلاف بما حل بالأسلاف.
* (واسمعوا) * أي: اقبلوا ما سمعتم، كقوله: * (سمع الله * لمن) *، أو * (الكتاب أن إذا سمعتم) *، أو * (الله وأطيعوا) *. لأن فائدة السماع الطاعة، قاله المفضل. والمعنى في هذه الأقوال الثلاثة قريب. قال الماتريدي: معنى اسمعوا: افهموا. وقيل: اعملوا، ووجهه أن السمع يسمع به، ثم يتخيل، ثم يعقل، ثم يعمل به إن كان مما يقتضي عملا. ولما كان السماع مبتدأ، والعمل غاية، وما بينهما وسائط، صح أن يراد بعض الوسائط، وصح أن يراد به الغاية. * (قالوا) *: هذا من الالتفات، إذ لو جاء على الخطاب لقال: قلتم * (سمعنا وعصينا) *: ظاهره أن كلتا الجملتين مقولة، ونطقوا بذلك مبالغة في التعنت والعصيان. ويؤيده قول ابن عباس: كانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا: * (سمعنا وأطعنا) *، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا: * (سمعنا وعصينا) *. وقيل: القول هنا مجاز، ولم ينطقوا بشيء من الجملتين، ولكن لما لم يقبلوا شيئا مما أمروا به، جعلوا كالناطقين بذلك. وقيل: يعبر بالقول للشيء عما يفهم به من حاله، وإن لم يكن نطق. وقيل: المعنى سمعنا بآذاننا وعصنيا بقلوبنا، وهذا راجع لما قاله الزمخشري، قال: قالوا سمعنا قولك وعصينا أمرك. فإن قلت: فكيف طابق قوله جوابهم؟ قلت: طابقه من حيث أنه قال لهم اسمعوا، وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة، فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة، انتهى كلامه. والقول الأول أحسن، لأنا لا نصير إلى التأويل مع إمكان حمل الشيء على ظاهره، لا سيما إذا لم يقم دليل على خلافه. * (واشربوا) *: عطف على قالوا سمعنا وعصينا. فيكون معطوفا على قالوا، أي خذوا ما آتيناكم بقوة، قلتم كذا وكذا وأشربتم، أو عطف مستأنف لا داخل في باب الالتفات، بل إخبار من الله عنهم بما صدر منهم من عبادة العجل، أو الواو للحال، أي وقد أشربوا والعامل قالوا، ولا يحتاج الكوفيون إلى تقدير قد في الماضي الواقع حالا، والقول الأول هو الظاهر. * (فى قلوبهم) *: ذكر مكان الإشراب، كقوله: * (إنما يأكلون فى بطونهم) *. * (العجل) *: هو على حذف مضافين، أي حب عبادة العجل من قولك: أشربت زيدا ماء، والإشراب مخالطة المائع الجامد، وتوسع فيه حتى صار في اللونين، قالوا: وأشربت البياض حمرة، أي خلطتها بالحمرة، ومعناه أنه داخلهم حب عبادته، كما داخل الصبغ الثوب، وأنشدوا:
* إذا ما القلب أشرب حب شيء * فلا تأمل له عند انصرافا * وقال ابن عرفة: يقال أشرب قلبه حب كذا، أي حل محل الشراب ومازجه. انتهى كلامه. وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل، لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، ولهذا قال بعضهم:
* جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي * فأصبح لي عن كل شغل بها شغل * وأما الطعام فقالوا: وهو مجاور لها، غير متغلغل فيها، ولا يصل إلى القلب منه إلا يسير، وقال:
* تغلغل حب عثمة في فؤادي * فباديه مع الخافي يسير * وحسن حذف ذينك المضافين، وأسند الإشراب إلى ذات العجل مبالغة كأنه بصورته أشربوه، وإن كان المعنى على ما ذكرناه من الحذف. وقيل: معنى اشربوا: أي شد في قلوبهم حب العجل لشغفهم به، من أشربت البعير: