تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٧٣
المخصوص بالذم فموضعها الرفع، وذهب سيبويه إلى أن موضعها رفع على أنها فاعل بئس، فقال سيبويه: هي معرفة تامة، التقدير: بئس الشيء، والمخصوص بالذم على هذا محذوف، أي شيء اشتروا به أنفسهم. وعزى هذا القول، أعني أن ما معرفة تامة لا موصولة، إلى الكسائي. وقال الفراء والكسائي، فيما نقل عنهما: أن ما موصولة بمعنى الذي، واشتروا: صلة، وبذلك قال الفارسي، في أحد قوليه، وعزى ابن عطية هذا القول إلى سيبويه قال: فالتقدير على هذا القول: بئس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا، كقولك: بئس الرجل زيد، وما في هذا القول موصولة. انتهى كلامه، وهو وهم على سيبويه. وذهب الكسائي فيما نقل عنه المهدوي وابن عطية إلى أن ما وبعدها في موضع رفع، على أن تكون مصدرية، التقدير: بئس اشتراؤهم. قال ابن عطية: وهذا معترض، لأن بئس لا تدخل على اسم معين يتعرف بالإضافة إلى الضمير. انتهى كلامه. وما قاله لا يلزم إلا إذا نص على أنه مرفوع ببئس، أما إذا جعله المخصوص بالذم، وجعل فاعل بئس مضمرا والتمييز محذوفا، لفهم المعنى. التقدير: بئس اشتراء اشتراؤهم، فلا يلزم الاعتراض، لكن يبطل هذا القول الثاني عود الضمير في به على ما، وما المصدرية لا يعود عليها ضمير، لأنها حرف على مذهب الجمهور، هذا الأخفش يزعم أنها اسم. والكلام على هذه المذاهب تصحيحا وإبطالا يذكر في علم النحو.
اشتروا هنا: بمعنى باعوا، وتقدم أنه قال: شرى واشترى: بمعنى باع، هذا قول الأكثرين. وفي المنتخب إن الاشتراء هنا على بابه، لأن المكلف، إذا خاف على نفسه من العقاب، أتى بأعمال يظن أنها تخلصه، وكأنه قد اشترى نفسه بها. فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم، ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم، فذمهم الله عليه. قال: وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول، يعني بالأول أن يكون بمعنى باع، وهذا الذي اختاره صاحب المنتخب، يرد عليه قوله تعالى: * (بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) *، فدل على أن المراد ليس اشتراؤهم أنفسهم بالكفر، ظنا منهم أنهم يخلصون من العقاب، بل ذلك كان على سبيل البغي والحسد، لكونه تعالى جعل ذلك في محمد صلى الله عليه وسلم)، فاتضح أن قول الجمهور أولى.
* (أن يكفروا) *: تقدم أن موضعه رفع، إما، على أن يكون مخصوصا بالذم عند من جعل ما قبله من قوله: * (بئسما اشتروا به) * غير تام، وفيه الأعاريب التي في المخصوص بالذم، إذا تأخر، أهو مبتدأ، والجملة التي قبله خبر مبتدأ محذوف على ما تقرر قبل؟ وأجاز الفراء على هذا التقدير أن يكون بدلا من الضمير في به، فيكون في موضع خبر. * (بما أنزل الله) *: هو الكتاب الذي تقدم ذكره، وهو القرآن. وفي ذلك من التفخيم إن لم يحصل مضمر، بل أظهر موصولا بالفعل الذي هو أنزل المشعر بأنه من العالم العلوي، ونسب إسناده إلى الله، ليحصل التوافق من حيث المعنى بين قوله: * (كتاب من عند الله) * وبين قوله: * (بما أنزل الله) *. ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل، إذ كفروا بعيسى وبمحمد صلوات الله وسلامه عليهما، والكفر بهما كفر بالتوراة. ويحتمل أن يراد الجميع من قرآن وإنجيل وتوراة، لأن الكفر ببعضها كفر بكلها. * (بغيا) *: أي حسدا، إذ لم يكن من بني إسرائيل، قاله قتادة وأبو العالية والسدي. وقيل: معناه ظلما، وانتصابه على أنه مفعول من أجله وظاهره أن العامل فيه يكفروا، أي كفرهم لأجل البغي. وقال الزمخشري: هو علة اشتروا، فعلى قوله يكون العامل فيه اشتروا. وقيل: هو نصب على المصدر لا مفعول من أجله، والتقدير: بغوا بغيا، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه.
* (أن ينزل الله) *: أن: مع الفعل بتأويل المصدر، وذلك المصدر المقدر منصوب على أنه مفعول من أجله، أي بغو التنزيل الله. وقيل: التقدير بغيا على أن ينزل الله لأن معناه حسدا على أن ينزل الله، أي على ما خص الله به نبيه من الوحي، فحذفت على، ويجيء الخلاف الذي في أن وأن، إذا حذف حرف الجر منهما، أهما في موضع نصب أم في موضع خفض؟ وقيل: أن ينزل
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»